ظاهرة لا تزال في مستوى الخطر.. تهريب الأطفال انتهاك للحقوق وقنبلة أمنية موقوتة (2010.12.27)
(سبأبرس/خاص/تحقيق/ وديع العبسي وسامي العمري)
"تهريب الأطفال".. انتهاك للحقوق وقنبلة أمنية موقوتة
اعتراف حكومي متأخر ومعالجات تتجاهل ما هو بالإمكان
عصابات تهريب لا تزال تستدرج ضحاياها وآباء متورطين
في رحلة التهريب ملاحقات وتحرشات ووفاة أطفال أحيانا
لملم ما بقي من أشلاء طفولته المتناثرة في جولات أمانة العاصمة بائعا أحيانا للصحف وأحيانا للعب الأطفال وأحيانا أخرى السكاكر.. أسرع مهرولا للحاق بالباص المتجه من منطقة الحصبة إلى باب اليمن قبل الانتقال إلى منطقة حرض بمحافظة حجة ومنها إلى السعودية.
عادل ابن الحادي عشرة وتفاصيل حياة ناضجة تجاوزت الخمسين.. هكذا يبدو.
صعدنا حافلة واحدة حين بادرناه بالسؤال وكان يحمل حقيبة ملابس مهترأة "مسافر؟".. أجاب "ولن أعود إن شاءالله".. لم يكن الأمر بحاجة إلى كثير من الشرح لندرك إن حالة من الشقاء يعيشها هذا الطفل.. تحفّظ عادل في الحديث عن نفسه واتجاه رحلته.. قبل أن نكرر محاولتنا معه.
ترك عادل دراسته وهو في الصف الثالث أساسي لينظم إلى قائمة العاملين من الأطفال من اجل مساعدة والده في إعالة أمه وأخواته الثلاث.. إلا إن ذلك لم يعد كاف مع زيادة أسعار المعيشة ليفاجئ في المساء الذي سبق لقائنا به بقرار والده بان عليه التوجه إلى منطقة حرض ومنها التسلل إلى السعودية للعمل فيها.
يقول عادل "لا ادري كيف سأدخل إلى السعودية؟ وكيف سأجد عملا هناك؟ أين سأبيت؟".. ودوامة من الأسئلة الحائرة ظل يرددها على مسامعنا وكأنه يأمل منا موقفا يعيده إلى أمه التي قال إنها دخلت في شجار عنيف مع والده عشية رحلته وخرج وهي تبكي وقد أعطته مبلغ (1800) ريال يمني قالت أنها جمعته خلال ثلاثة أشهر لوقت الحاجة.
يقول الباحث الاجتماعي محمد عبده الواسعي "عادل نموذج لمئات الآلاف من الأطفال الذي يعيشون واقعا يسرق أعمارهم.. يتركون التعليم في وقت مبكر جدا ليجدوا أنفسهم في عماله مبكرة في الشارع أو يتم تهريبهم إلى دول الجوار للعمل هناك، ثم يحصدون نتائج الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب الفقر والحاجة". تؤكد دراسة ميدانية حول ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن أعدها الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن أن أهم أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل يرجع إلى اتساع نطاق الفقر وحاجة الأسر لعمل الأطفال لتغطية جزء من المصروفات.. حيث أظهرت نتائج الدراسة أن أكثر من 76% من الأطفال العاملين يعملون من أجل تغطية مصروفات أسرهم منهم 43% تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما.
ومن هنا تبدأ المشكلة وتنشأ ظاهرة (تهريب الأطفال) من اليمن إلى دول الجوار وتحديدا المملكة العربية السعودية.
أول الحكاية
في التسعينات بدأت الظاهرة بصورة بسيطة جدا سرعان ما أخذت تتنامى مع زيادة تردي الوضع الاقتصادي لترتبط "بظاهرة الفقر التي أخذت بالاتساع والانتشار منذُ منتصف التسعينيات" حسب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية على صالح عبدالله الذي أشار في دراسة أعدها حول ظاهرة تهريب الأطفال قدمت في المؤتمر الإقليمي الثاني لوقاية الأطفال من العنف والإساءة والإهمال المنعقد بالعاصمة صنعاء 2007م، إلى أن "تأخر الاعتراف بالظاهرة من قبل الدولة والمجتمع" واحدة من أسباب نمو الظاهرة.. في تلك الأثناء قال ستيفانو تاماجنيني ممثل المنظمة الدولية للهجرة "منذ عامين لم يكن بإمكاننا مجرد الحديث بشأن هذه المشكلة رسميا".
وذلك ما أكده أيضا المدير التنفيذي لمؤسسة شركاء المستقبل عبدالاله سلام الذي أوضح بأنه "كان هناك تهرب من مناقشة هذه الظاهرة، وهناك من كان ينفي وجودها في اليمن ولولا مؤسسات المجتمع المدني لما تم الاعتراف بظاهرة تهريب الأطفال".
يقول الباحث الواسعي "مع تزايد عمالة الأطفال تولدت مشكلة تهريبهم إلى دول الجوار لان أهلهم ما عادوا يقنعون بما يجنيه أطفالهم العاملين في الشوارع داخل الوطن".
"اليونسيف" في أول دراسة علمية أعدتها عن الظاهرة بالاشتراك مع وزارة الشؤون والعمل عام 2004 توصلت إلى أن عملية تهريب الأطفال غالبا ما تتم بعلم وموافقة الأهل، وبعض الأطفال يجبرون على ذلك من قبل أهلهم.. هذه الأسر حسب الدراسة تأتي إلى الحدود بحثا عن المهربين من أجل تسليمهم أبناءها.
إحدى المشاركين في تنفيذ الدراسة منى سالم مدير عام وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية تقول "ضمن عملنا بقينا ما يقرب من أسبوعين في منطقة حرض وهي منفذ التسلل والتهريب في الأراضي الحدودية واستقبلنا الأطفال المرحلين من الأراضي السعودية ووجدنا أن 80 بالمائة منهم دفعتهم أسرهم". وتلقى رغبة الأسرة من يحولها إلى حقيقة بوجود مهربين وعصابات امتهنت وتخصصت في تهريب الأطفال.. النائب شوقي القاضي عضو لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب عضو اللجنة المشكلة لتقصي الحقائق حول الظاهرة أكد "أن هناك عصابات منظمة تقوم بتهريب الأطفال والفتيات".. فيما أشار على صالح عبدالله إلى "وجود مهربين محترفين".. وعلى الأمر ذاته اتفق المدير التنفيذي لمؤسسة شركاء المستقبل وهي ممن نشطت في هذا الجانب.. وقال "اتضح أن هناك سماسرة وتجارة كبيرة وأموال طائلة تدخل من عملية تهريب الأطفال وهناك آباء مشاركين في هذه الجريمة".
وكانت صحيفة المدينة السعودية ذكرت أنها وخلال مهمة صحفية "تمكنت من رصد عصابات تهريب الأطفال من داخل الأراضي اليمنية إلى المملكة عبر الحدود البرية" ، فيما أشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أن "عصابات تقوم بتجنيد الفتية مباشرة من خلال أسرهم أو من شوارع المدن اليمنية".
كما ذكرت تقارير أمنية إلقاء القبض على أكثر من عصابة تخصصت في تهريب الأطفال والأحداث إلى السعودية.
يقول المتخصص الاجتماعي في منظمة شاب رائد زين العسلي "إن هذه العصابات تتوزع بشكل عشوائي في المدن والمناطق المتاخمة للحدود اليمنية السعودية وتعرض إغراءاتها المادية على بعض الأسر المحتاجة للدفع بأبنائها مع هذه العصابة، وعندما تبدأ هذه الأسر بجني المال يبدأ أهالي آخرين بالبحث عن هذه العصابات وهنا تنتشر العملية".
مديرة وحدة مكافحة عمل الأطفال أكدت بان "المهربين كانوا ولا يزالون ينتشرون في المناطق الحدودية".
ضلال قاتمة
المشكلة ماثلة والآثار ترمي بضلالها القاتمة على المستقبل خصوصا مع ظهور مخاوف من تحول هؤلاء الأطفال إلى عناصر تخريبية تستهدف الأمن الاجتماعي.
تقول رئيسة مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية لمياء يحيى الارياني إن ظاهرة تهريب الأطفال "تفرض على الطفل تحديات هو غير مهيأ لها جسدياً ونفسياً كما أنها تضيف أعباء جديدة على الدولة فتزيد من أعداد الأُميين والمتسربين من التعليم وتزيد عدد الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية ونفسية نتيجة لوجودهم في بيئة غير حامية لا تتوفر فيها ابسط حقوق الطفل".
ويرى رائد العسلي "إن ما يعانيه الطفل أكان من عملية التهريب أو إجباره على العمل فضلا عن انتهاكات غير أخلاقية تمارس ضده من شأنها أن تولد فردا ناقما على المجتمع إذ يميل سلوكه للعنف مع ما يكتسبه من بيئة العمل في الشارع فهو قد يتعلم كل شيء غير مقبول كالإدمان والسرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، وفي تهريب بضائع ممنوعة، بل ويتعرض أحيانا للاغتصاب وهذا أمر مثبت".
وغير بعيدا عن ذلك تقول منى سالم إن "مثل هذه الممارسة ضد الطفل تجعل منه عدوانيا تجاه محيطه".. وتستشهد بحالات لأطفال عاملين عاشوا تجربة جريمة القتل فيما بينهم باستخدامهم أدوات حادة.. وتشير إلى إن هذا يعتبر "مؤشرا لظهور أفرادا حاقدين على المجتمع مقلقين لأمنه واستقراره أكان بشكل فردي أو ضمن جماعات وتنظيمات يمكن أن تعمل على استقطابه بين صفوفها لتنفيذ أعمالا عدوانية ضد المجتمع".
بينما يؤكد الناشط الحقوقي شمسان الفران أن "تحول الأطفال إلى عامل قلق للمجتمع يبدأ من وجودهم خارج المدرسة نظرا لما يعنيه ذلك من ضياع لهم وانحرافهم وسهولة استقطابهم من قبل أصحاب الأهواء الشيطانية".. مشيرا إلى إمكانية استخدامهم في أعمال مسلحة.. وهو ما لفت إليه رئيس قسم الأحداث في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عباس غالب، موضحا بان المتمردين الحوثيين اعتقلوا أثناء حربهم مع الحكومة في الأشهر الماضية مجموعات من الأطفال وجندوهم للقتال بين صفوفهم.
وذكر الجيش اليمني خلال الحرب السادسة مع الحوثيين أن أكثر من ثلاثة آلاف من الأطفال يشاركون في الحرب في صفوف الحوثيين أعمارهم تتراوح بين 14 و 17 عما ما يعتبر مخالفة للقانون الدولي ، فيما أكدت إحصاءات أن الكثير من الحوثيين الذين تم القبض عليهم وسجنهم بتهم كانوا من صغار السن في حين أكدت منظمة "اليونسيف" منتصف العام الماضي أن 80 بالمئة منهم من الأطفال وصغار السن.
وقالت صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إن آلاف الأطفال قتلوا أو أصيبوا في القتال بين القوات الحكومية والحوثيين وأن كثير منهم يعانون من نقص المياه وسوء التغذية ، كما اضطر أكثر من 300 ألف شخص إلى ترك منازلهم بسبب القتال في الأعوام القليلة الماضية ويمثل الأطفال 60 بالمئة من عدد النازحين. الصراع الدائر في شمال اليمن وبمتاخمة حدود السعودية ومع تزايد الفقر ووقف إطلاق النار الهش ، يزيد المخاوف من ارتفاع معدلات تهريب الأطفال والاتجار بهم .. وذلك ما تخشاه منى علي سالم من أن يدفع الفقر العديد من النازحين إلى إرسال أطفالهم إلى العمل عندما يبدؤون بالعودة إلى ديارهم ، وتقول "أشعر بالقلق من أن يتم إرسال الأطفال للعمل في المدن الكبرى وفي السعودية".
كما يؤكد جمال الحدي الباحث في جمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية أنه "عند عودة العديد من الأشخاص إلى ديارهم لن يكون لهم خيار سوى إرسال أطفالهم إلى السعودية أو الانخراط في عملية التهريب في ظل عدم توفر أي عمل آخر ما يدفع الأسر إلى الاعتماد على أطفالهم في الكثير من الحالات لجني المال".
وكشف تقرير ميداني أعدته منظمة سياج لحماية الطفولة بالتعاون مع "اليونيسيف" عن أثر الحرب والصراع المسلح في محافظة صعده وحرف سفيان بمحافظة عمران على الأطفال، أن عدد الأطفال المجندين لدى الحوثيين بلغوا 402 أطفال ، وعدد الأطفال المجندين في الجيش الشعبي الموالي للحكومة 282 طفلا.
وذكر التقرير أن معلومات من شهود عيان ومقاتلين في الجيش الشعبي أوضحت أن أكثر من 50 بالمائة من المقاتلين في صفوف الحوثيين هم من الأطفال دون الثامنة عشر من العمل.
ووفقا للتقرير وحسب شهود العيان فإن نحو 50 بالمائة من المقاتلين في صفوف الجيش الشعبي الموالي للقوات الحكومية هم أيضا دون الثامنة عشرة من العمر دفعهم إلى ذلك البحث عن مقابل مادي أو الوعد بالتجنيد وامتيازات أخرى بعد الحرب.
وتعتبر الخطة الوطنية لمكافحة تهريب الأطفال أن تهريب البشر والأطفال بشكل خاص يشكل تهديداً أمنياً سواء على المستوى القومي أو الإقليمي أو الدولي.
الأخطار الأمنية أيضا تبرز مع الأعراض النفسية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال كفقدانهم السيطرة على نمط حياتهم وعجزهم عن معرفة أدوارهم الحقيقية تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم فيصبحون أكثر عدوانية ورغبة في تملك وسرقة الأشياء وإثارة الشغب، واكتسابهم صفات تدميرية تجاه أنفسهم ومجتمعهم فينخرطون لممارسة أعمال مهينة وجنائية، ولا يخافون من خرق النظم والقوانين، والميل للحرية بعيداً عن الرقابة، وانخراط البعض في ممارسة الانحراف والإدمان بجميع صوره كنوع من التعويض عن الاستغلال لحقوقهم الضائعة، ومعاناتهم من سوء التغذية مع قابليتهم الكبيرة للإصابة بالعديد من الأمراض، وانخفاض مستوى تقديرهم لأنفسهم واحتقارها والشك والريبة نحو الآخرين.. وكلها حسب الباحث الداعري أعراضا من شانها أن تولد مشكلات تهدد الأمن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع.
ممثل اليونسيف في اليمن يرى أن تجاهل الأطفال و حاجاتهم الأساسية يشكل خطرا على مستقبل اليمن أكثر من التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة وقال لـ(الشرق الأوسط) مؤخرا "إذا كان عليّ أن أقيس خطر (القاعدة) في اليمن، وخطر تجاهل 12 مليون طفل، فأعتقد أن الخطر من تجاهل الأطفال وحاجاتهم الأساسية... هو تهديد أكبر بكثير على البلد من التهديد الذي ستشكله (القاعدة) يوما ما على اليمن".ويعاني الأطفال المهرَبين من حرمانهم من طفولتهم ومصادرة حقهم في امتلاك أدوات مستقبلهم بالتعليم.. من خلال رحلة من الانتهاك لحقوقهم في رعايتهم، وضمان حياة آمنة وصحية لهم بعيدا عن المخاطر التي تفوق قدراتهم على مواجهتها.
تقول منى سالم مدير عام وحدة مكافحة عمل الأطفال "يبدأ انتهاك حقوق الطفل في هذه الظاهرة منذ حرمانه من التعليم وصولا إلى تهريبه عبر الحدود، فهو طفل يجهل الطرق التي سيسير فيها، ويجهل من هم مرافقيه في عملية الانتقال، ويجهل كيف سيكون مصيره وهو بعيد عن أسرته". تقرير صادر عن سفارة واشنطن في صنعاء العام الماضي 2009 كان أشار إلى أن "بعض هؤلاء الأطفال يتعرضون لاستغلال جنسي خلال عبورهم من اليمن إلى السعودية أو لدى وصولهم إلى السعودية".كما يتعرضون لأهوال تؤدي أحيانا إلى الوفاة أثناء عملية التهريب .. وحسب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على صالح عبد الله فان "الأطفال المهرَبين أثناء عملية التهريب يتعرضون للضرب والحبس عند القبض عليهم، والتحرش الجنسي من قبل المهربين أنفسهم أو قُطَّاع الطُرق، والإجهاد البدني والتأزم النفسي والخوف والقلق من الإمساك بهم أثناء التهريب، والنهب والسرقة لممتلكاتهم من قبل قُطَّاع الطُرق أو مصادرة وإتلاف بضائعهم من قبل الجنود".
فيما ذكرت تقارير صحفية وفاة أطفالا منهم إما بسبب لدغ الثعابين حيث التهريب يمر بالأحراش، أو الاختناق عند حبسه مع مجموعة كبيرة في مكان ضيق، أو بسبب طلق ناري عشوائي من قبل حراس الحدود.. ولا تزال ماثلة في الأذهان حكاية الطفلة ابنة التاسعة من العمر التي سقطت من أحد الجبال المرتفعة وتوفيت بعد ملاحقة أمنية على الحدود اليمنية السعودية وكانت برفقة عصابة وقيل أقارب لها كانوا ينوون التسلل بها إلى السعودية للتسول.
تقرير صادر عن مؤسسة "سي إتش إف إنترناشونال"، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة ذكر أن ما يزيد عن 60 بالمائة من الأطفال الذين عملوا في السعودية كانوا عرضة للإيذاء البدني وأكثر من 10 بالمائة منهم كانوا عرضة للاستغلال الجنسي، كما كان الآباء والأمهات السبب في دفع الأطفال إلى التسلل إلى السعودية في أكثر من 80 بالمائة من الحالات.أما الأعمال التي يمارسها الأطفال المهرَبين في السعودية فهي بسيطة جدا بعضها تدخل ضمن الأعمال الخطرة على الأطفال وفقا للاتفاقية الدولية (182) الخاصة بأسوأ أشكال عمل الأطفال، وتتمثل هذه الأعمال في التسول، البيع عند إشارات المرور، الخدمة بالمنازل، العمل في المزارع، رعي الماعز، تلميع السيارات، الصيد.. كما قد تجدهم في الورش، والمتاجر، أو استخدامهم في امتطاء الإبل في سباقات الهجن.
الفقر جوهر المشكلة
حسب المعطيات تقوم الحكومة اليمنية بجهود لمكافحة هذه الظاهرة تمثل في رفع مستوى الرقابة على الحدود اليمنية مع السعودية، وتنفيذ حملات توعوية شعبية، وإقامة دورات تدريبية للمسئولين الأمنيين.. إضافة إلى إنشاء مراكز استقبال وتأهيل في حرض، وصنعاء، وسيئون بالتعاون مع منظمات مانحة.وفي حين لاتوجد أرقام موثوقة من منظمات أهلية عن حجم الظاهرة، تشير الأرقام الرسمية إلى تراجع عدد الأطفال المهربين إلى السعودية .. حيث ذكرت إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن عدد الأطفال الذين تم الاتجار بهم إلى السعودية انخفض من 900 طفل عام 2008 إلى 602 أطفال عام 2009 .. وعزت ذلك التراجع إلى حملات التوعية والتعاون بين السلطات اليمنية والسعودية في هذا الشأن.
مع ذلك تبدو النتائج خجولة "وظاهرة تهريب الأطفال مازالت مستمرة" حسب الخبير الاقتصادي والكاتب الدكتور علي الفقيه.
من أسباب استمرار الظاهرة وفقا للباحث مراد غالب الداعري استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة وتسببها في زيادة نسبة الفقر والبطالة بينهم، وتدني مستوى الوعي، والجهل المسيطر على أولياء أمور الأطفال مما يزيد من انتشار ظاهرتي أطفال الشوارع وحالات التهريب ويقلل من فرص العلاج للتخفيف من أسباب الظاهرتين.. ويؤكد الداعري بان "الفقر هو السبب الرئيس الذي يجعل الأسر تدفع بفلذات أكبادها لتعمل في الشوارع وتسافر عبر الحدود والمعابر".
كما خلصت نتائج نزول ميداني بالتعاون بين مكتب (الايبك) وقطاع القوى العاملة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى مديرية حرض بمحافظة حجة إلى إن "الفقر والتفكك الأسري هما ابرز أسباب تكون هذه الظاهرة".فيما ربطت اللجنة الفنية اليمنية لمكافحة تهريب الأطفال في اليمن التي شُكلت عام 2005 ظهور المشكلة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية أهمها الفقر وسوء الحالة المعيشية ومحدودية الدخل لأسر الأطفال ضحايا التهريب.وبحسب المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية فان "الفقر هو -إلى حد كبير- السبب الكامن وراء عمل الأطفال وأن الحل على الأمد الطويل يكمن في النمو الاقتصادي المستدام الذي يفضي إلى التقدم الاجتماعي".
ترى تحليلات اقتصادية إن الظاهرة مرشحة للتصاعد مرة أخرى بسبب زيادة سوء الوضع الاقتصادي المتأثر بالأزمة العالمية وانخفاض المنتج من النفط، إضافة إلى ما نتج عن تغيُّر المناخ والطاقة الحيويّة من انحسار للأراضي المزروعة بسبب الجفاف فضلا عن وقف إطلاق النار الهش بين القوات الحكومية والحوثيين في شمال البلاد.
وأكدت هذه التحليلات أن سياسة الجرع السعرية التي انتهجتها الحكومة اليمنية ضمن رؤيتها للإصلاح الاقتصادي زادت من خروج الأطفال إلى سوق العمالة ومن هذه العمالة تزيد نسبة الطامحين لرفع مستوى دخلهم المادي عن طريق العمل في دول الجوار.وتوقعت قراءات أن تصل عمالة الأطفال بسبب ذلك إلى 800 ألف طفل مع الإعلان عن نتائج المسح الخاص بعمالة الأطفال المتوقع ظهورها نهاية العام الجاري.
ورغم التراجع الذي ذكرته الإحصائيات الرسمية إلا إن أكاديميين وقيادات في منظمات مجتمع مدني أكدوا بان الظاهرة لا تزال في مرحلة الخطر.. حيث يذهب الدكتور علي الفقيه إلى أن "عملية تهريب الأطفال لا زالت تشكل خطرا على الأطفال، ولازالت تشهد ارتفاعا بين الحين والآخر خاصة في مواسم الحج والعمرة".يقول المتخصص الاجتماعي في منظمة شاب رائد زين العسلي "المشكلة قائمة وستستمر ما لم يتم عمل معالجات لجذور مشكلة الفقر التي تجبر الأهالي على إخراج أبنائهم من المدارس وتهريبهم إلى السعودية".. وتؤكد ذلك أيضا منى سالم التي قالت "رغم وجود انحسار للظاهرة إلا أنها ستظل قائمة ما لم يتم حل الكثير من المشاكل المرتبطة بعملية التهريب مثل الفقر خاصة في المناطق الحدودية".تصنف اليمن دوليا من "الثلاثين دولة الأكثر فقراً في العالم" ولم تمكنها مساعيها في معالجة وضعها الاقتصادي من انتشال الواقع من براثن ظاهرة الفقر.. وقد أظهرت إحصاءات حول معدل الفقر في اليمن العام الماضي ارتفاع نسبة الذين يعيشون في الفقر من نسبة السكان من 35 بالمائة في عامي 2005 و 2006، إلى مايزيد عن 43 بالمائة.يقول الدكتور صالح عبده عبيد محمد في رسالته لنيل الدكتوراه العام الماضي "إن الفقر يمثل العقبة الكبرى أمام أي استعداد للتعليم ، حيث أن كثيرا من الأسر اليمنية قد وقفت عاجزة عن تعليم أبنائها نتيجة عدم قدرتها تخصيص جزء من أموالها للإنفاق على التعليم".. مشيرا إلى إن ذلك "أدى إلى امتناع العديد من الأطفال عن الالتحاق بالتعليم, وترك البعض ممن التحقوا بالتعليم دراستهم في الصفوف الأربعة الأولى للتعليم الأساسي, إلى جانب رغبة بعض الأسر الفقيرة في ترك أولادها التعليم والبحث عن أعمال بهدف مساعدتها ماليا, لتوفير متطلبات العيش الضرورية، دون الالتفات إلى الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها الطفل خلال ممارسته العمل في سن مبكر, والأضرار الاجتماعية التي تنشأ عن ارتفاع أعداد الأميين بين السكان مستقبلا ، والسلوكيات التي يتعلمها الأطفال من جراء مخالطتهم الكبار والأفراد غير الأسوياء".
من هنا تبدأ الحلول
مع الاتفاق على جهود الحكومة اليمنية إلا أن حقوقيين يرون بأن على الحكومة الاتجاه بإصلاحاتها نحو "توسيع نظام شبكة الضمان الاجتماعية لتأمين الاحتياجات الضرورية لمستوى معيشة الأسر الفقيرة" ، وان لا يقتصر الاستهداف على جانب تهريب الأطفال وإنما الأساس في ذلك هو قضية عمالة الأطفال وتسربهم من التعليم.يؤكد ملتقي المرأة للدراسات في دراسة عن أطفال الشوارع على ضرورة "السعي لإيجاد وسائل الحماية الاجتماعية للأسرة التي تساعد على تماسكها من خلال توسيع مظلة الضمان الاجتماعي لأكبر عدد ممكن من ذوي الدخل المحدود لينتفع منه الطفل والأسرة".. ويوصي الباحث الدكتور صالح عبده عبيد محمد بـ"إعادة النظر في الإعانات التي يقدمها صندوق الرعاية الاجتماعية للفقراء لزيادة دعم الأسر الفقيرة التي فقدت عائلها أو العاجزين عن العمل، بينما يمنع ذلك عن الأسر الفقيرة التي عائلها عاطل عن العمل وهو قادر على العمل بحيث يتم توفير فرص عمل لهم يعتمدون عليها بمساعدة الدولة، بدلا من الإعانات الشهرية التي تقدم لهم".. وتؤكد منى سالم مدير وحدة عمالة الأطفال على الحاجة للدعم والى تدخلات كبيرة تساعد على الحد من عمالة الأطفال.
http://www.sabaapress.net/view.php?newsid=1355
(سبأبرس/خاص/تحقيق/ وديع العبسي وسامي العمري)
"تهريب الأطفال".. انتهاك للحقوق وقنبلة أمنية موقوتة
اعتراف حكومي متأخر ومعالجات تتجاهل ما هو بالإمكان
عصابات تهريب لا تزال تستدرج ضحاياها وآباء متورطين
في رحلة التهريب ملاحقات وتحرشات ووفاة أطفال أحيانا
لملم ما بقي من أشلاء طفولته المتناثرة في جولات أمانة العاصمة بائعا أحيانا للصحف وأحيانا للعب الأطفال وأحيانا أخرى السكاكر.. أسرع مهرولا للحاق بالباص المتجه من منطقة الحصبة إلى باب اليمن قبل الانتقال إلى منطقة حرض بمحافظة حجة ومنها إلى السعودية.
عادل ابن الحادي عشرة وتفاصيل حياة ناضجة تجاوزت الخمسين.. هكذا يبدو.
صعدنا حافلة واحدة حين بادرناه بالسؤال وكان يحمل حقيبة ملابس مهترأة "مسافر؟".. أجاب "ولن أعود إن شاءالله".. لم يكن الأمر بحاجة إلى كثير من الشرح لندرك إن حالة من الشقاء يعيشها هذا الطفل.. تحفّظ عادل في الحديث عن نفسه واتجاه رحلته.. قبل أن نكرر محاولتنا معه.
ترك عادل دراسته وهو في الصف الثالث أساسي لينظم إلى قائمة العاملين من الأطفال من اجل مساعدة والده في إعالة أمه وأخواته الثلاث.. إلا إن ذلك لم يعد كاف مع زيادة أسعار المعيشة ليفاجئ في المساء الذي سبق لقائنا به بقرار والده بان عليه التوجه إلى منطقة حرض ومنها التسلل إلى السعودية للعمل فيها.
يقول عادل "لا ادري كيف سأدخل إلى السعودية؟ وكيف سأجد عملا هناك؟ أين سأبيت؟".. ودوامة من الأسئلة الحائرة ظل يرددها على مسامعنا وكأنه يأمل منا موقفا يعيده إلى أمه التي قال إنها دخلت في شجار عنيف مع والده عشية رحلته وخرج وهي تبكي وقد أعطته مبلغ (1800) ريال يمني قالت أنها جمعته خلال ثلاثة أشهر لوقت الحاجة.
يقول الباحث الاجتماعي محمد عبده الواسعي "عادل نموذج لمئات الآلاف من الأطفال الذي يعيشون واقعا يسرق أعمارهم.. يتركون التعليم في وقت مبكر جدا ليجدوا أنفسهم في عماله مبكرة في الشارع أو يتم تهريبهم إلى دول الجوار للعمل هناك، ثم يحصدون نتائج الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب الفقر والحاجة". تؤكد دراسة ميدانية حول ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن أعدها الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن أن أهم أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل يرجع إلى اتساع نطاق الفقر وحاجة الأسر لعمل الأطفال لتغطية جزء من المصروفات.. حيث أظهرت نتائج الدراسة أن أكثر من 76% من الأطفال العاملين يعملون من أجل تغطية مصروفات أسرهم منهم 43% تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما.
ومن هنا تبدأ المشكلة وتنشأ ظاهرة (تهريب الأطفال) من اليمن إلى دول الجوار وتحديدا المملكة العربية السعودية.
أول الحكاية
في التسعينات بدأت الظاهرة بصورة بسيطة جدا سرعان ما أخذت تتنامى مع زيادة تردي الوضع الاقتصادي لترتبط "بظاهرة الفقر التي أخذت بالاتساع والانتشار منذُ منتصف التسعينيات" حسب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية على صالح عبدالله الذي أشار في دراسة أعدها حول ظاهرة تهريب الأطفال قدمت في المؤتمر الإقليمي الثاني لوقاية الأطفال من العنف والإساءة والإهمال المنعقد بالعاصمة صنعاء 2007م، إلى أن "تأخر الاعتراف بالظاهرة من قبل الدولة والمجتمع" واحدة من أسباب نمو الظاهرة.. في تلك الأثناء قال ستيفانو تاماجنيني ممثل المنظمة الدولية للهجرة "منذ عامين لم يكن بإمكاننا مجرد الحديث بشأن هذه المشكلة رسميا".
وذلك ما أكده أيضا المدير التنفيذي لمؤسسة شركاء المستقبل عبدالاله سلام الذي أوضح بأنه "كان هناك تهرب من مناقشة هذه الظاهرة، وهناك من كان ينفي وجودها في اليمن ولولا مؤسسات المجتمع المدني لما تم الاعتراف بظاهرة تهريب الأطفال".
يقول الباحث الواسعي "مع تزايد عمالة الأطفال تولدت مشكلة تهريبهم إلى دول الجوار لان أهلهم ما عادوا يقنعون بما يجنيه أطفالهم العاملين في الشوارع داخل الوطن".
"اليونسيف" في أول دراسة علمية أعدتها عن الظاهرة بالاشتراك مع وزارة الشؤون والعمل عام 2004 توصلت إلى أن عملية تهريب الأطفال غالبا ما تتم بعلم وموافقة الأهل، وبعض الأطفال يجبرون على ذلك من قبل أهلهم.. هذه الأسر حسب الدراسة تأتي إلى الحدود بحثا عن المهربين من أجل تسليمهم أبناءها.
إحدى المشاركين في تنفيذ الدراسة منى سالم مدير عام وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية تقول "ضمن عملنا بقينا ما يقرب من أسبوعين في منطقة حرض وهي منفذ التسلل والتهريب في الأراضي الحدودية واستقبلنا الأطفال المرحلين من الأراضي السعودية ووجدنا أن 80 بالمائة منهم دفعتهم أسرهم". وتلقى رغبة الأسرة من يحولها إلى حقيقة بوجود مهربين وعصابات امتهنت وتخصصت في تهريب الأطفال.. النائب شوقي القاضي عضو لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب عضو اللجنة المشكلة لتقصي الحقائق حول الظاهرة أكد "أن هناك عصابات منظمة تقوم بتهريب الأطفال والفتيات".. فيما أشار على صالح عبدالله إلى "وجود مهربين محترفين".. وعلى الأمر ذاته اتفق المدير التنفيذي لمؤسسة شركاء المستقبل وهي ممن نشطت في هذا الجانب.. وقال "اتضح أن هناك سماسرة وتجارة كبيرة وأموال طائلة تدخل من عملية تهريب الأطفال وهناك آباء مشاركين في هذه الجريمة".
وكانت صحيفة المدينة السعودية ذكرت أنها وخلال مهمة صحفية "تمكنت من رصد عصابات تهريب الأطفال من داخل الأراضي اليمنية إلى المملكة عبر الحدود البرية" ، فيما أشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أن "عصابات تقوم بتجنيد الفتية مباشرة من خلال أسرهم أو من شوارع المدن اليمنية".
كما ذكرت تقارير أمنية إلقاء القبض على أكثر من عصابة تخصصت في تهريب الأطفال والأحداث إلى السعودية.
يقول المتخصص الاجتماعي في منظمة شاب رائد زين العسلي "إن هذه العصابات تتوزع بشكل عشوائي في المدن والمناطق المتاخمة للحدود اليمنية السعودية وتعرض إغراءاتها المادية على بعض الأسر المحتاجة للدفع بأبنائها مع هذه العصابة، وعندما تبدأ هذه الأسر بجني المال يبدأ أهالي آخرين بالبحث عن هذه العصابات وهنا تنتشر العملية".
مديرة وحدة مكافحة عمل الأطفال أكدت بان "المهربين كانوا ولا يزالون ينتشرون في المناطق الحدودية".
ضلال قاتمة
المشكلة ماثلة والآثار ترمي بضلالها القاتمة على المستقبل خصوصا مع ظهور مخاوف من تحول هؤلاء الأطفال إلى عناصر تخريبية تستهدف الأمن الاجتماعي.
تقول رئيسة مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية لمياء يحيى الارياني إن ظاهرة تهريب الأطفال "تفرض على الطفل تحديات هو غير مهيأ لها جسدياً ونفسياً كما أنها تضيف أعباء جديدة على الدولة فتزيد من أعداد الأُميين والمتسربين من التعليم وتزيد عدد الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية ونفسية نتيجة لوجودهم في بيئة غير حامية لا تتوفر فيها ابسط حقوق الطفل".
ويرى رائد العسلي "إن ما يعانيه الطفل أكان من عملية التهريب أو إجباره على العمل فضلا عن انتهاكات غير أخلاقية تمارس ضده من شأنها أن تولد فردا ناقما على المجتمع إذ يميل سلوكه للعنف مع ما يكتسبه من بيئة العمل في الشارع فهو قد يتعلم كل شيء غير مقبول كالإدمان والسرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، وفي تهريب بضائع ممنوعة، بل ويتعرض أحيانا للاغتصاب وهذا أمر مثبت".
وغير بعيدا عن ذلك تقول منى سالم إن "مثل هذه الممارسة ضد الطفل تجعل منه عدوانيا تجاه محيطه".. وتستشهد بحالات لأطفال عاملين عاشوا تجربة جريمة القتل فيما بينهم باستخدامهم أدوات حادة.. وتشير إلى إن هذا يعتبر "مؤشرا لظهور أفرادا حاقدين على المجتمع مقلقين لأمنه واستقراره أكان بشكل فردي أو ضمن جماعات وتنظيمات يمكن أن تعمل على استقطابه بين صفوفها لتنفيذ أعمالا عدوانية ضد المجتمع".
بينما يؤكد الناشط الحقوقي شمسان الفران أن "تحول الأطفال إلى عامل قلق للمجتمع يبدأ من وجودهم خارج المدرسة نظرا لما يعنيه ذلك من ضياع لهم وانحرافهم وسهولة استقطابهم من قبل أصحاب الأهواء الشيطانية".. مشيرا إلى إمكانية استخدامهم في أعمال مسلحة.. وهو ما لفت إليه رئيس قسم الأحداث في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عباس غالب، موضحا بان المتمردين الحوثيين اعتقلوا أثناء حربهم مع الحكومة في الأشهر الماضية مجموعات من الأطفال وجندوهم للقتال بين صفوفهم.
وذكر الجيش اليمني خلال الحرب السادسة مع الحوثيين أن أكثر من ثلاثة آلاف من الأطفال يشاركون في الحرب في صفوف الحوثيين أعمارهم تتراوح بين 14 و 17 عما ما يعتبر مخالفة للقانون الدولي ، فيما أكدت إحصاءات أن الكثير من الحوثيين الذين تم القبض عليهم وسجنهم بتهم كانوا من صغار السن في حين أكدت منظمة "اليونسيف" منتصف العام الماضي أن 80 بالمئة منهم من الأطفال وصغار السن.
وقالت صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إن آلاف الأطفال قتلوا أو أصيبوا في القتال بين القوات الحكومية والحوثيين وأن كثير منهم يعانون من نقص المياه وسوء التغذية ، كما اضطر أكثر من 300 ألف شخص إلى ترك منازلهم بسبب القتال في الأعوام القليلة الماضية ويمثل الأطفال 60 بالمئة من عدد النازحين. الصراع الدائر في شمال اليمن وبمتاخمة حدود السعودية ومع تزايد الفقر ووقف إطلاق النار الهش ، يزيد المخاوف من ارتفاع معدلات تهريب الأطفال والاتجار بهم .. وذلك ما تخشاه منى علي سالم من أن يدفع الفقر العديد من النازحين إلى إرسال أطفالهم إلى العمل عندما يبدؤون بالعودة إلى ديارهم ، وتقول "أشعر بالقلق من أن يتم إرسال الأطفال للعمل في المدن الكبرى وفي السعودية".
كما يؤكد جمال الحدي الباحث في جمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية أنه "عند عودة العديد من الأشخاص إلى ديارهم لن يكون لهم خيار سوى إرسال أطفالهم إلى السعودية أو الانخراط في عملية التهريب في ظل عدم توفر أي عمل آخر ما يدفع الأسر إلى الاعتماد على أطفالهم في الكثير من الحالات لجني المال".
وكشف تقرير ميداني أعدته منظمة سياج لحماية الطفولة بالتعاون مع "اليونيسيف" عن أثر الحرب والصراع المسلح في محافظة صعده وحرف سفيان بمحافظة عمران على الأطفال، أن عدد الأطفال المجندين لدى الحوثيين بلغوا 402 أطفال ، وعدد الأطفال المجندين في الجيش الشعبي الموالي للحكومة 282 طفلا.
وذكر التقرير أن معلومات من شهود عيان ومقاتلين في الجيش الشعبي أوضحت أن أكثر من 50 بالمائة من المقاتلين في صفوف الحوثيين هم من الأطفال دون الثامنة عشر من العمل.
ووفقا للتقرير وحسب شهود العيان فإن نحو 50 بالمائة من المقاتلين في صفوف الجيش الشعبي الموالي للقوات الحكومية هم أيضا دون الثامنة عشرة من العمر دفعهم إلى ذلك البحث عن مقابل مادي أو الوعد بالتجنيد وامتيازات أخرى بعد الحرب.
وتعتبر الخطة الوطنية لمكافحة تهريب الأطفال أن تهريب البشر والأطفال بشكل خاص يشكل تهديداً أمنياً سواء على المستوى القومي أو الإقليمي أو الدولي.
الأخطار الأمنية أيضا تبرز مع الأعراض النفسية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال كفقدانهم السيطرة على نمط حياتهم وعجزهم عن معرفة أدوارهم الحقيقية تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم فيصبحون أكثر عدوانية ورغبة في تملك وسرقة الأشياء وإثارة الشغب، واكتسابهم صفات تدميرية تجاه أنفسهم ومجتمعهم فينخرطون لممارسة أعمال مهينة وجنائية، ولا يخافون من خرق النظم والقوانين، والميل للحرية بعيداً عن الرقابة، وانخراط البعض في ممارسة الانحراف والإدمان بجميع صوره كنوع من التعويض عن الاستغلال لحقوقهم الضائعة، ومعاناتهم من سوء التغذية مع قابليتهم الكبيرة للإصابة بالعديد من الأمراض، وانخفاض مستوى تقديرهم لأنفسهم واحتقارها والشك والريبة نحو الآخرين.. وكلها حسب الباحث الداعري أعراضا من شانها أن تولد مشكلات تهدد الأمن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع.
ممثل اليونسيف في اليمن يرى أن تجاهل الأطفال و حاجاتهم الأساسية يشكل خطرا على مستقبل اليمن أكثر من التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة وقال لـ(الشرق الأوسط) مؤخرا "إذا كان عليّ أن أقيس خطر (القاعدة) في اليمن، وخطر تجاهل 12 مليون طفل، فأعتقد أن الخطر من تجاهل الأطفال وحاجاتهم الأساسية... هو تهديد أكبر بكثير على البلد من التهديد الذي ستشكله (القاعدة) يوما ما على اليمن".ويعاني الأطفال المهرَبين من حرمانهم من طفولتهم ومصادرة حقهم في امتلاك أدوات مستقبلهم بالتعليم.. من خلال رحلة من الانتهاك لحقوقهم في رعايتهم، وضمان حياة آمنة وصحية لهم بعيدا عن المخاطر التي تفوق قدراتهم على مواجهتها.
تقول منى سالم مدير عام وحدة مكافحة عمل الأطفال "يبدأ انتهاك حقوق الطفل في هذه الظاهرة منذ حرمانه من التعليم وصولا إلى تهريبه عبر الحدود، فهو طفل يجهل الطرق التي سيسير فيها، ويجهل من هم مرافقيه في عملية الانتقال، ويجهل كيف سيكون مصيره وهو بعيد عن أسرته". تقرير صادر عن سفارة واشنطن في صنعاء العام الماضي 2009 كان أشار إلى أن "بعض هؤلاء الأطفال يتعرضون لاستغلال جنسي خلال عبورهم من اليمن إلى السعودية أو لدى وصولهم إلى السعودية".كما يتعرضون لأهوال تؤدي أحيانا إلى الوفاة أثناء عملية التهريب .. وحسب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على صالح عبد الله فان "الأطفال المهرَبين أثناء عملية التهريب يتعرضون للضرب والحبس عند القبض عليهم، والتحرش الجنسي من قبل المهربين أنفسهم أو قُطَّاع الطُرق، والإجهاد البدني والتأزم النفسي والخوف والقلق من الإمساك بهم أثناء التهريب، والنهب والسرقة لممتلكاتهم من قبل قُطَّاع الطُرق أو مصادرة وإتلاف بضائعهم من قبل الجنود".
فيما ذكرت تقارير صحفية وفاة أطفالا منهم إما بسبب لدغ الثعابين حيث التهريب يمر بالأحراش، أو الاختناق عند حبسه مع مجموعة كبيرة في مكان ضيق، أو بسبب طلق ناري عشوائي من قبل حراس الحدود.. ولا تزال ماثلة في الأذهان حكاية الطفلة ابنة التاسعة من العمر التي سقطت من أحد الجبال المرتفعة وتوفيت بعد ملاحقة أمنية على الحدود اليمنية السعودية وكانت برفقة عصابة وقيل أقارب لها كانوا ينوون التسلل بها إلى السعودية للتسول.
تقرير صادر عن مؤسسة "سي إتش إف إنترناشونال"، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة ذكر أن ما يزيد عن 60 بالمائة من الأطفال الذين عملوا في السعودية كانوا عرضة للإيذاء البدني وأكثر من 10 بالمائة منهم كانوا عرضة للاستغلال الجنسي، كما كان الآباء والأمهات السبب في دفع الأطفال إلى التسلل إلى السعودية في أكثر من 80 بالمائة من الحالات.أما الأعمال التي يمارسها الأطفال المهرَبين في السعودية فهي بسيطة جدا بعضها تدخل ضمن الأعمال الخطرة على الأطفال وفقا للاتفاقية الدولية (182) الخاصة بأسوأ أشكال عمل الأطفال، وتتمثل هذه الأعمال في التسول، البيع عند إشارات المرور، الخدمة بالمنازل، العمل في المزارع، رعي الماعز، تلميع السيارات، الصيد.. كما قد تجدهم في الورش، والمتاجر، أو استخدامهم في امتطاء الإبل في سباقات الهجن.
الفقر جوهر المشكلة
حسب المعطيات تقوم الحكومة اليمنية بجهود لمكافحة هذه الظاهرة تمثل في رفع مستوى الرقابة على الحدود اليمنية مع السعودية، وتنفيذ حملات توعوية شعبية، وإقامة دورات تدريبية للمسئولين الأمنيين.. إضافة إلى إنشاء مراكز استقبال وتأهيل في حرض، وصنعاء، وسيئون بالتعاون مع منظمات مانحة.وفي حين لاتوجد أرقام موثوقة من منظمات أهلية عن حجم الظاهرة، تشير الأرقام الرسمية إلى تراجع عدد الأطفال المهربين إلى السعودية .. حيث ذكرت إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن عدد الأطفال الذين تم الاتجار بهم إلى السعودية انخفض من 900 طفل عام 2008 إلى 602 أطفال عام 2009 .. وعزت ذلك التراجع إلى حملات التوعية والتعاون بين السلطات اليمنية والسعودية في هذا الشأن.
مع ذلك تبدو النتائج خجولة "وظاهرة تهريب الأطفال مازالت مستمرة" حسب الخبير الاقتصادي والكاتب الدكتور علي الفقيه.
من أسباب استمرار الظاهرة وفقا للباحث مراد غالب الداعري استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة وتسببها في زيادة نسبة الفقر والبطالة بينهم، وتدني مستوى الوعي، والجهل المسيطر على أولياء أمور الأطفال مما يزيد من انتشار ظاهرتي أطفال الشوارع وحالات التهريب ويقلل من فرص العلاج للتخفيف من أسباب الظاهرتين.. ويؤكد الداعري بان "الفقر هو السبب الرئيس الذي يجعل الأسر تدفع بفلذات أكبادها لتعمل في الشوارع وتسافر عبر الحدود والمعابر".
كما خلصت نتائج نزول ميداني بالتعاون بين مكتب (الايبك) وقطاع القوى العاملة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى مديرية حرض بمحافظة حجة إلى إن "الفقر والتفكك الأسري هما ابرز أسباب تكون هذه الظاهرة".فيما ربطت اللجنة الفنية اليمنية لمكافحة تهريب الأطفال في اليمن التي شُكلت عام 2005 ظهور المشكلة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية أهمها الفقر وسوء الحالة المعيشية ومحدودية الدخل لأسر الأطفال ضحايا التهريب.وبحسب المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية فان "الفقر هو -إلى حد كبير- السبب الكامن وراء عمل الأطفال وأن الحل على الأمد الطويل يكمن في النمو الاقتصادي المستدام الذي يفضي إلى التقدم الاجتماعي".
ترى تحليلات اقتصادية إن الظاهرة مرشحة للتصاعد مرة أخرى بسبب زيادة سوء الوضع الاقتصادي المتأثر بالأزمة العالمية وانخفاض المنتج من النفط، إضافة إلى ما نتج عن تغيُّر المناخ والطاقة الحيويّة من انحسار للأراضي المزروعة بسبب الجفاف فضلا عن وقف إطلاق النار الهش بين القوات الحكومية والحوثيين في شمال البلاد.
وأكدت هذه التحليلات أن سياسة الجرع السعرية التي انتهجتها الحكومة اليمنية ضمن رؤيتها للإصلاح الاقتصادي زادت من خروج الأطفال إلى سوق العمالة ومن هذه العمالة تزيد نسبة الطامحين لرفع مستوى دخلهم المادي عن طريق العمل في دول الجوار.وتوقعت قراءات أن تصل عمالة الأطفال بسبب ذلك إلى 800 ألف طفل مع الإعلان عن نتائج المسح الخاص بعمالة الأطفال المتوقع ظهورها نهاية العام الجاري.
ورغم التراجع الذي ذكرته الإحصائيات الرسمية إلا إن أكاديميين وقيادات في منظمات مجتمع مدني أكدوا بان الظاهرة لا تزال في مرحلة الخطر.. حيث يذهب الدكتور علي الفقيه إلى أن "عملية تهريب الأطفال لا زالت تشكل خطرا على الأطفال، ولازالت تشهد ارتفاعا بين الحين والآخر خاصة في مواسم الحج والعمرة".يقول المتخصص الاجتماعي في منظمة شاب رائد زين العسلي "المشكلة قائمة وستستمر ما لم يتم عمل معالجات لجذور مشكلة الفقر التي تجبر الأهالي على إخراج أبنائهم من المدارس وتهريبهم إلى السعودية".. وتؤكد ذلك أيضا منى سالم التي قالت "رغم وجود انحسار للظاهرة إلا أنها ستظل قائمة ما لم يتم حل الكثير من المشاكل المرتبطة بعملية التهريب مثل الفقر خاصة في المناطق الحدودية".تصنف اليمن دوليا من "الثلاثين دولة الأكثر فقراً في العالم" ولم تمكنها مساعيها في معالجة وضعها الاقتصادي من انتشال الواقع من براثن ظاهرة الفقر.. وقد أظهرت إحصاءات حول معدل الفقر في اليمن العام الماضي ارتفاع نسبة الذين يعيشون في الفقر من نسبة السكان من 35 بالمائة في عامي 2005 و 2006، إلى مايزيد عن 43 بالمائة.يقول الدكتور صالح عبده عبيد محمد في رسالته لنيل الدكتوراه العام الماضي "إن الفقر يمثل العقبة الكبرى أمام أي استعداد للتعليم ، حيث أن كثيرا من الأسر اليمنية قد وقفت عاجزة عن تعليم أبنائها نتيجة عدم قدرتها تخصيص جزء من أموالها للإنفاق على التعليم".. مشيرا إلى إن ذلك "أدى إلى امتناع العديد من الأطفال عن الالتحاق بالتعليم, وترك البعض ممن التحقوا بالتعليم دراستهم في الصفوف الأربعة الأولى للتعليم الأساسي, إلى جانب رغبة بعض الأسر الفقيرة في ترك أولادها التعليم والبحث عن أعمال بهدف مساعدتها ماليا, لتوفير متطلبات العيش الضرورية، دون الالتفات إلى الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها الطفل خلال ممارسته العمل في سن مبكر, والأضرار الاجتماعية التي تنشأ عن ارتفاع أعداد الأميين بين السكان مستقبلا ، والسلوكيات التي يتعلمها الأطفال من جراء مخالطتهم الكبار والأفراد غير الأسوياء".
من هنا تبدأ الحلول
مع الاتفاق على جهود الحكومة اليمنية إلا أن حقوقيين يرون بأن على الحكومة الاتجاه بإصلاحاتها نحو "توسيع نظام شبكة الضمان الاجتماعية لتأمين الاحتياجات الضرورية لمستوى معيشة الأسر الفقيرة" ، وان لا يقتصر الاستهداف على جانب تهريب الأطفال وإنما الأساس في ذلك هو قضية عمالة الأطفال وتسربهم من التعليم.يؤكد ملتقي المرأة للدراسات في دراسة عن أطفال الشوارع على ضرورة "السعي لإيجاد وسائل الحماية الاجتماعية للأسرة التي تساعد على تماسكها من خلال توسيع مظلة الضمان الاجتماعي لأكبر عدد ممكن من ذوي الدخل المحدود لينتفع منه الطفل والأسرة".. ويوصي الباحث الدكتور صالح عبده عبيد محمد بـ"إعادة النظر في الإعانات التي يقدمها صندوق الرعاية الاجتماعية للفقراء لزيادة دعم الأسر الفقيرة التي فقدت عائلها أو العاجزين عن العمل، بينما يمنع ذلك عن الأسر الفقيرة التي عائلها عاطل عن العمل وهو قادر على العمل بحيث يتم توفير فرص عمل لهم يعتمدون عليها بمساعدة الدولة، بدلا من الإعانات الشهرية التي تقدم لهم".. وتؤكد منى سالم مدير وحدة عمالة الأطفال على الحاجة للدعم والى تدخلات كبيرة تساعد على الحد من عمالة الأطفال.
http://www.sabaapress.net/view.php?newsid=1355
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق