الجمعة، 31 ديسمبر 2010

* ما هي التربية بالمثل الأعلى؟
المثل الأعلى هو القدوة، فإتباع نهج شخص يكون مثلاً أعلى لغيره لوجود صفات إيجابية وأخلاقية يتحلى بها. واللجوء إلى المثل الأعلى فى التربية هو أقرب الوسائل المتبعة لإحراز النجاح فى عملية التربية. وبما أن الشخص يمر بمراحل عمرية عديدة، وبالتالي تتنوع شخصيات المثل الأعلى عنده:
مرحلة الطفولة ----- المثل الأعلى الوالدان.
النشء الصغير ---- المثل الأعلى الشخصيات البارزة فى المجتمع.
الفتى ----- المثل الأعلى عند المدرس أو الوالد أو شخصية عامة مشهورة.
ونجد دائماً أن المثل الأعلى ينحصر بين الشخص الذي يقوم بتربية الطفل، أو شخصية عامة مشهورة أو الشخص المتبع دور القيادة. وتفشل وسيلة القدوة أو المثل الأعلى فى حالتين إذا كان المربى يوجه الطفل لسلوك لا يطبقه هو نفسه، والحالة الأخرى وهى التي لا يطبق فيها الطفل ما يسمع من نظريات.

التربية بالثواب والعقاب
* ما هى التربية بالثواب والعقاب؟
والتربية هنا تجمع ما بين اللطف والحزم مع الطفل، فى حالة إتباعه السلوك الحميد يُقرر له ثواب، وفى حالة السلوك السيىء يكون العقاب هو الحل بأن يحرمه من نزهة أو حلوى يحبها.

وتحديد نوعية التربية يعتمد على سلوك الطفل ونفسيته، فتوجد أطفال تتقبل القدوة وآخرون يكتفون بالوعظ .. ونوع ثالث لا ينفع معه إلا الترغيب أو الترهيب.
والعقاب لا يكون بالضرب، وإن كان هناك ضرباً يجب ألا يكون مؤذياً ويكتفى الأب والأم بالربت الخفيف حتى لا ينمو لدى الطفل معنى الكراهية وإحساسه بالظلم ورفضه لأى شكل من أشكال السلطة الممارسة عليه.
* ما هى التربية بالوعظ (تقديم النصيحة)؟
المقصود به التربية بالكلام الموجه لذات الشخص، وهذا يندرج أيضاً تحت الطرق المتبعة لتربية النشء. وقد يأتى بالنتائج السلبية أو الإيجابية (الرفض والقبول) وذلك حسب الطريقة الموجه بها الكلام.
فهذا النوع من التربية يجد نجاحاً كبيراً فى ظل توافر المقومات التالية:
- طريقة توصيل النصيحة وما تتطلبه من لباقة.
- عدم شعور الطفل بقيود فيها، لأن الطبيعة البشرية لا تميل إلى القيود وتميل إلى الحرية.
- الراحة عند سماع النصيحة، بأن يلقيها الشخص وهو هادئاً مبتسم الوجه.
- تقديم النصيحة ينبغى أن تكون فى صورة بسيطة سهلة لاستيعابها وتقبلها.
وضرورة وجود الوعظ أو الموعظة بجانب أى وسيلة أخرى متبعة من وسائل تربية الطفل تأتى من أن اتباع الخطأ لذيذ لأنه يوافق طبيعة النفس، وبمعنى أكثر وضوحاً الطفل يلجأ إلى الغش لأنه لا يبذل معه مجهوداً فى الاستذكار كما أنه طريق لتحقيق النجاح بالإضافة إلى أنه مخرج من مأزق عدم الاستذكار.
المزيد عن ظاهرة الغش ..
ومع تقديم النصائح والموعظة للطفل، ينشأ شخصاً مسئولاً يتعلم ما هى حدود الحريات التى يتمتع بها.
* ما هى التربية بالأمثلة؟
الإنسان يتعلم عند التعرض لصدمة وليس عندما يكون مرتاحاً ومطمئناً، فعندما يقع فى مأزق تنتابه حالة من الذهول أو الندم حسب طبيعة الموقف. وعند المرور بهذه الحالات الشعورية وغيرها يعرف الإنسان السبيل لتجنب الوقوع فى الخطأ مرة أخرى.
فالحدث هنا هو العبرة الذى يُستغل لتربية النفوس وقد يتعلم الشخص من خطأ قام هو بارتكابه أو خطأ ناتج عن تصرفات الآخرين. والعبرة فى قوامها قاسية على النفس لكنها ركيزة لا تهتز ولا تفسدها فترات الضعف التى يقع فيها الإنسان.
العبرة تُشغل كافة إمكانات الفرد لعمل الخير والصحيح، وتعلمه اللذة النفسية التى يشعر بها والمتلازمة مع كل ما هو صالح.
* ما هى التربية بالحكايات؟
هى التربية بقراءة القصص، فالقصة لها تأثير ساحر على الصغار والكبار على حد سواء بجانب أنها تقدم عناصر للمتعة والسحر عديدة إلا أنه من ضمن مهامها الأساسية "الحث على التعليم والتربية".
ودائماً ما ترتكز القصة على الصراع ما بين الخير والشر، ما بين لحظات الضعف والقوة لكى يتعلم الإنسان الصحيح من الخطأ لأنه يتعرض لفتن كثيرة وعليه ألا يقف مكتوف الأيدى أمامها.
ويتعلم الإنسان مُثل عديدة من جميع أنواع القصة .. سواء القصة التاريخية التى تروى بطولات لشخصيات عظيمة أو القصة الواقعية التى تعكس أحداثاً جرت فى الواقع .. حتى القصة الخيالية فهى تقدم قيم ومبادئ من خلال الرموز المستخدمة فيها.
* نصائح غريبة لتربية الطفل:
لا أريد أن يتعجب الآباء أو المسئول برعاية طفل وتربيته بالنصائح التي سأقدمها، ستبدو لأول وهلة غريبة بل وعجيبة! لا تنزعج جربها أولاً وعليك بقراءة ما بين السطور لكي تفهمها ولا تحكم عليها ظاهرياً وإنما عملياً لتري النتيجة ..!!!
- أن تكون بمثابة القاضي وأن تأخذ عهد علي نفسك أن تكون حازماً في أن تعلم الأبناء.

- "قانون العواقب الطبيعية" في مواجهة الموقف والتعرض لتداعياته، وفهم مثل هذه القوانين سيساعد في تربية الأبناء بطريقة صحيحة.
- لا تقدم لهم النصيحة حتى إذا طلب منك ذلك، يلجأ الأبناء إلي طلب النصيحة باستمرار لأنهم مازالوا يفتقدون إلي مسئولية الاعتماد الكامل علي أنفسهم، فهم يلجأون إلي اقتراض مثل هذه النصائح التي تمكنهم من بناء المسئولية بشكل كامل بداخلهم وبالتالي حل مشكلاتهم بأنفسهم، فلا تقدم النصيحة من أول مرة اتركه لكي يتصرف بنفسه أولاً وإذا لم يستطع وطلبها مرة أخرى، يمكنك تقديمها له "فكلما قلت العروض السخية للنصائح كلما عظم سخاء الابن في حديثه إليك".
- امتنع عن أحاديث الأب لابنه، وعليك بالاتصال بطريقة غير مباشرة معه في بعض الأحيان حتى يتم الاستماع إليك، يمكنك تقديم النصيحة عن طريق شخص يحبه ويثق به وليكن صديق لأنهم لن يستمعوا إلي نصائحك التي تصدر في صورة تعليمات وستكون النتيجة هي التجاهل.
- تقبل شعور الغربة التي يشعر بها الآباء، لأن هذه مرحلة طبيعية من مراحل نمو المراهق والتي تتعلق بهويته الشخصية وميوله لتحقيق الاستقلالية والاعتماد علي النفس فلا تنزعج عندما يبتعد الابن عنك أو أن يحاول أن يظهر لك أنه ليس بحاجة إليك لأنك تتعرض للنقض إذا حاولت مناقشة ذلك معه.
- كن أنانياً، عليك الاعتناء بنفسك وبقضاء أوقات فراغ والاستمتاع بها، وأن يكون لك أصدقاء لأن الابن يلاحظ أبويه في كافة تصرفاتهما ويحاول تقليدهما، فأنت قدوة وليس الأنانية هنا بمعناه الحقيقي السلبي وإنما لتنمى عادات إيجابية لدى ابنك أي كيف يكون اجتماعياً، وكيف يستمتع بالأوقات الحلوة عندما يكبر ويقابل ضغوط الحياة، كما أن الاعتناء بالنفس يساعد علي المحافظة علي صحته.
 المزيد عن ماهية الضغوط ..

- اجعله يمارس القلق ويجربه ولكن بقدر معين حتى يستطيع تحمل مسئولية نفسه فيما بعد ولكن مع عدم إثقال كاهله بذلك.
 المزيد عن القلق النفسى ..

- الموافقة علي التصرفات غير المتزنة، وذلك نتيجة للتغيرات التي يمر بها الطفل أو المراهق علي وجه خاص والتي تتراوح بين تغيرات عاطفية وجسمانية وهرمونية. وتخلق هذه التغيرات صراع داخل الابن لأنه يجمع بين شخصيتين في هذه المرحلة: "شخصية الطفل وشخصية البالغ" ويتأرجح بينهما لذلك يجب تقبل هذه الشخصية المزدوجة.
- اتركهم يعبرون عن أنفسهم بالطريقة التي يفضلوها في أوقات معينة من اليوم مثل التي تعطيها لنفسك بعد عناء يوم حافل بالضغوط والعمل (كأن تستمع إلي موسيقي هادئة). أما بالنسبة لهم سيكون الاستماع إلي موسيقي صاخبة أو حتى الصراخ فهذا يهدأ من القلق والصراعات التي توجد بداخلهم.
- لا تزعج ابنك بشجارك الدائم معه لانجذابه ناحية الأصدقاء والغرباء أكثر منك، لا تقلق فإن المنزل هو بمثابة المكان الآمن له وهو الذي يمنع إصابته بالإحباط. وتفسير ذلك أن الابن دائماً لديه الشعور بأن صديقه سوف يتركه إذا تجاهله ولم يولي له أي نوع من الاهتمام. وانطلاقاً من هذا الشعور أيضاً لا يستطيع ممارسة مشاعر الغضب مع صديقه، وعندما يعود للمنزل يبدأ في إخراج مشاعره الحقيقية لأنه المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان والراحة.

اليوم العالمي للطفل

تعد تنمية الطفولة على الصعيد العالمي هي الاستراتيجية المثلى والفعالة لمحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية لأنها تعالج الأسباب منذ البداية، عن طريق معالجة هذه الشريحة الكبيرة التي تمثل مستقبل البشرية، ولذا فقد أوصت الجمعية العامة في عام 1954 بأن تقيم جميع البلدان يوما عالمياً للطفل يحتفل به بوصفه يوما للتآخي والتفاهم على النطاق العالمي بين الأطفال وللعمل من أجل تعزيز رفاهية الأطفال في العالم، واقترحت على الحكومات الاحتفال بذلك اليوم في التاريخ الذي تراه كل منها مناسبا.

ويمثل تاريخ 20 نوفمبر - اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في عام 1959 واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989 - يوم الطفل العالمي الذي يحتفل به الأطفال في أغلب دول العالم عن طريق الحفلات في المدارس ورسم الأشكال على وجوههم، وتظل السمة الأساسية لهذا اليوم هي نبذ ثقافة العنف ضد الأطفال والتذكير الدائم بضرورة سعي الجميع نحو تغيير واقع أطفالنا في أنحاء العالم نحو الأفضل.

 والجدير بالذكر أنه من دون الاهتمام بموضوعات تنمية الطفولة المبكرة، يصبح من غير المحتمل سد احتياجات الأطفال الذين يعيشون في الفقر، فسابقاً لم تكن سياسات تنمية ورعاية الطفولة المبكرة منفصلة بل كانت جزءاً من السياسات العامة أو من السياسات الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على ذلك كانت للحكومات في أغلب الأحيان قدرات محدودة لتطوير سياسات ووضع أنظمة تطويرية في هذا المجال، وفي أغلب الدول فقد تم النظر لاستراتيجيات تنمية ورعاية الطفولة المبكرة على أنها خاصة بمرحلة ما قبل المدرسة (مرحلة رياض الأطفال) ولذلك كان التخطيط لها مماِثلاً للتخطيط للتعليم الرسمي.

وبناء على ذلك فإن سياسات الحكومات لم تكن قادرة على أن تعكس وبشكل واضح هدف تنمية ورعاية الطفولة المبكرة والتي تضمن التطوير الكامل للطفل وهي حاجة الطفل لصحة جيدة وعناية بالتغذية، الحماية، توفير الأمان، الاهتمام باللعب، وغيرها من القضايا التي قد يراها البعض غير جديرة بالاهتمام والرعاية.
ولكن الكثير من الدراسات الدولية تكشف بأن نمو الطفل السيئ يرتبط بشكل كبير بالفقر، والصراعات المجتمعية، العنف العائلي، تدهور الصحة، وسوء التغذية، كما أظهرت الأبحاث بأن أكثر مشكلات التعلم تبدأ قبل دخول الأطفال للمدرسة وأن فرص البقاء والنمو للأطفال واحتمالات وصولهم إلى عمر المدرسة بالمهارات الإدراكية والاجتماعية والعاطفية الضرورية للنجاح تعكس القدرات والموارد والدعم المتوفر لعائلاتهم.
ويقوم عدد كبير من حكومات العالم المتقدم بالالتزام بمسؤوليات أكبر لتأمين احتياجات وحقوق الأطفال الصغار، بينما في أكثر البلدان النامية فإن قلة من الدول يدركون الحاجات المتشابكة للأطفال، والسبب في ذلك يعود لصعوبة تقدير حالة الأطفال، حيث نادراً ما يتم جمع البيانات وتحليلها حول أوضاع الأطفال واستخدامها لتخطيط السياسة ووضع البرامج.
كما أنه غالباً ما يكون هناك نقص فيما يتعلق بتعليم الأهل وتأهيلهم للعناية بالأطفال، ونتيجة لذلك فإن غالبية دول العالم النامي يركزون فقط على القليل من الظروف المؤثرة على بقاء الطفل ونموه منذ فترة الحمل وحتى عمر الثماني سنوات، أما السن التالي لتلك المرحلة فلا يلقى الاهتمام الكافي.

ولتحقيق ما تطمح إليه المجتمعات في مجال رعاية الطفل، ينبغي التركيز على عدة محاور:

  •     الاهتمام بالروح الإبداعية لدى الأطفال، ورعايتها وتنميتها.
  •     التغلب على جوانب النقص في المعرفة، والخدمات المختلفة المقدمة للطفل.
  •     وضع برامج للنهوض بالمؤسسات ذات العلاقة المباشرة بالأطفال (مؤسسات تعليمية/ ثقافية/ ترفيهية/ صحية..)
  •     المساهمة في تحسين نمو وتطور الطفل في المدرسة، مع الاهتمام المستمر بالجانب الصحي في المدارس.
  •     دراسة وضع الطفل والتعاون مع المؤسسات الخيرية والجمعيات الإنسانية التي لها علاقة بالطفولة والاستفادة من خدماتها لتلبية الحاجات الملحة.
  •     التطبيق الفعلي الحازم لقوانين حماية الطفل، وفرض العقوبات على عمالة الأطفال.
  •     مناهضة كافة أشكال العنف "اللفظي والمادي" الموجهة ضد الطفل.
  •     احترام اختيارات الأطفال المتعلقة بمستقبلهم الدراسي والعملي والاقتصادي.
المصدر: موقع الأمم المتحدة / ويكيبيديا العربية/ منار الناعمة، جريدة العروبة / اللجنة الوطنية للطفولة،

أصول تعايش الطفل مع الآخرين

* إعداد: محمد عبود السعدي
http://www.balagh.com/woman/tefl/4y05o8sj.htm

لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
لا يولد الطفل مدركاً أصول التعامل مع الآخرين، وقواعد الأخذ والعطاء مع أقرانه. فهذه مفاهيم مكتسبة، وليست موروثة. لذا، يحسن بالوالدين، لاسيّما الأُم، تعويده على إجتياز مرحلة مهمة، وهي الإنتقال من الـ"أنا" إلى الـ"نحن"، وإدراك مفهوم الآخر.
بطبيعة الحال، تشكل البيئة المنزلية المدرسة الأولى لتعلم قواعد الحياة، وكيفية التعايش مع الآخرين، والأخذ والعطاء، والتخاطب معهم، وإيجاد الحلول الوسطى، وإعتماد الكلام كوسيلة للتعبير بدلاً من الصراخ أو الضرب (ما يحصل أحياناً مع بعض الأطفال، ممن يعبرون عن أنفسهم من خلال العنف تجاه أقرانهم). فالطفل لا يعي مثل تلك الأصول، بما أنّها ليست موروثة، إنما تكتسب تدريجياً، من خلال التجربة اليومية، و"المواجهات" المستمرة مع الآخرين. فهذه تتخذ طابعاً أنانياً، من الجانبين، وهذا أمر طبيعي عند الطفل. فالصغير يعرف الـ"أنا"، لكنّه يجهل الـ"نحن"، ولا يأبه بمفاهيم من قبيل "المشاركة"، "المشاطرة"، "الاقتسام"... إلخ. وتلك كلها عوامل طبيعية، لا داعي للقلق منها، لأنّها جزء من الطبيعة البشرية.
القلق يبدأ حين لا يسعى الوالدان إلى تعليم طفلهما أصول التعامل مع بقية الأطفال، والآخرين بشكل عام، فيتركان له الحبل على الغارب، بحجة المحجة والمعزة والدلال، ما يؤدي إلى نتائج كارثية له، ومآس وشعور بالحرما، لاحقاً، وبشكل خاص العجز عن الإندماج في المجتمع، وربّما الجنوح. لذا، تعدُّ فترة 3 إلى 6 سنوات مرحلة أساسية، إذ تشكل مدرسة إجتماعية بحق، ينبغي أن يكون الطفل قد ختم خلالها "برنامجه" التعليمي الإجتماعي. فالطفل في سن 3 سنوات، سواء أكان خجولاً متردداً أم قوي الإرادة، سواء أكان البكر أم آخر العنقود، لابد أن يبدأ في إكتشاف وجود كائنات أخرى: أقرانه. وهذا يشكل بالنسبة إليه "ثورة" إجتماعية.
- تكرار الرسائل الموجهة:
ففي تلك السن، عموماً، يدخل الطفل دار الحضانة. هكذا، ينتقل فجأة من بيئة يكون فيها الطفل الوحيد في ذلك العمر، ويحظى برعاية والديه وحنانهما، وإهتمام باقي أفراد الأسرة، وإعجابهم، إلى بيئة تحل فيها معلمة محل الوالدين، ويترتب عليها مراعاة ربّما 20 أو 25 طفلاً آخر في سنه، يجدهم كلهم غرماء وخصوصاً محتملين. لذا، يتلكأ في تقبلهم، ومن جانبهم يترددون في قبوله. هكذا، تجده تارة يدفع طفلاً يحاول أخذ مكانه، وتارة يضرب آخر لكي يصل إلى لعبة "الزحليقة" قبله، ويتعارك مع ثالث لأنّه حاول أخذ لعبة منه، وما إلى ذلك. لكنّه من خلال تلك التجارب اليومية، يتعلّم شيئاً فشيئاً المساومة، وتقبل المشاركة من وقت إلى آخر. ويستمر التعلم حتى زهاء 6 سنوات. إنّه مسار الإنتقال إلى حياة المجتمع، والإنتماء إلى مجموعة.
وفي تلك الفترة، ما من مسوّغ للقلق، من الوالدين، إن انتبها إلى ضرورة تكرار الرسائل الموجهة إلى الطفل، وإعادتها مراراً، إلى أن "تدخل في مخه". فإجادة أصول حياة المجموعة مسار شائك، وطويل، ويتطلّب الأناة والصبر من الوالدين، وعدم الملل من تكرار النصائح والتوجيهات لفلذة كبديهما. لكن، عدا عن النصائح، ثمّة تقنيات تربوية، تعينه على هضم الأصول الجديدة. فمثلاً، ينبغي تجنب بعض الألعاب التي تشدد على الـ"أنا"، وتشجع الألعاب الجماعية. على سبيل المثال، تعينه لعبة "الغميضة" (أو "الخِتَّيلة") على تعلم إحترام أصول اللعبة: إذ عليه أن يعدَّ، وألا يلتفت، ولا يبدأ بالبحث عن رفاقه سوى بعد إنتهاء العد، ومضي زمن محدد. هذه القواعد، على بساطتها، بداية جيِّدة، لأنّها تضع حدوداً، بالتالي تعين الصغير على إكتشاف هذا المفهوم، مفهوم الحدود والقواعد، الجديد تماماً من منظوره. وبالمثل، تعدُّ لعبة سباق الركض مجدية، بما أنّها قائمة على أساس إنطلاق المتسابقين جميعهم في لحظة واحدة. وهذا أيضاً، يشكل أحد تمارين إحترام أصول اللعب. وعموماً، ينبغي حضه على ممارسة أي لعبة تنطوي على قواعد تُلزم جميع المشاركين.
المحور الأوّل، إذن، في مسار إندماج الطفل في الحياة الإجتماعية، يقوم على أساس تلقينه إحترام أصول اللعب. ومن خلاله، سيتعلم لاحقاً إحترام الأصول عموماً، وليس فقط في إطار اللعب.
- تقنين العنف:
وعندما يصل الطفل إلى سن 4 أو 5 سنوات، من المجدي إدخال الألعاب الإجتماعية، مثلاً الـ"دومينو"، والـ"مونوبولي"، و"أسئلة وأجوبة"، ولعب على غرار إيجاد حيوان ونبات ومدينة واسم شخص،... إلخ، كلها تبدأ بحرف باء أو جيم أو دال، وما إلى ذلك (طبعاً مع توخي إختيار الألعاب كلها في مستويات مبسطة، خاصة للصغار في تلك السن). هكذا، يتعلم الطفل إنتظار دوره، والإنصات للمشاركين الآخرين، والتركيز، وتقبل الخسارة إن لم يوفق عندما يأتي دوره، وهكذا دواليك. ومَلكة تقبل الخسارة شيء مهم، يعينه لاحقاً على مواجهة مصاب الحياة برحابة صدر، ويلقنه حقيقة أنّ الحياة ليست كلها نجاحات، إنّما ينبغي أيضاً التسليم بفكرة أنّ الإخفاق وارد أيضاً، لكن لا يجب الإستسلام له، والمحاولة مجدداً.
وعندما يكون الطفل عنيفاً بالفطرة، ومفعماً بالطاقة، فليس من الحكمة السعي إلى لجم عنفه، فهي محاولة لا تكلل بالتوفيق إلا في ما ندر. إذ، في تلك الحال، ينبغي إيجاد وسائل لتقنين ذلك العنف، وتفريغه، من دون إيذاء أحد. تقول أُم وسيم، البالغ من العمر 5 سنوات، إنّها وزوجها عانيا وخجلا من شكاوى آباء أطفال آخرين ضده، لأنّه تعود ضرب أقرانه كلما نشب نزاع حول لعبة، أو الدور في اللعب، أو أي شيء. هكذا، أتتهما فكرة شراء كيس تدريب على الملاكمة، وضعاه في غرفة وسيم. وقالا له إن من حقه، كلما أزعجه أحد، أن يضرب الكيس بقدر ما يشاء، مع التفكير في الطفل الذي ضايقه. وتؤكد أنّ الحيلة نجحت، إذ بات وسيم يفرغ شحنته العدوانية على كيس الملاكمة، بدلاً من أجساد أقرانه.
وفي هذا الشأن، ينصح بعض متخصصي التربية بـ"حيلة" أخرى، تنصب على لعب لعبة العراك مع الطفل من جانب أُمّه أو أبيه، مع وضع وسادة للحماية، لكن بشكل خاص مع تحديد أصول وقواعد دقيقة، وعدم التساهل فيها، من بينها التأكيد أن من حق أيٍّ من المتباريين التوقف حين يشاء، وأن من واجب كل منهما عدم توخي إيذاء الآخر، إنّما التظاهر بالعراك. كما يجب عدم إغاظته أثناء اللعبة، أو إبداء روح تحدٍّ، إنّما الحرص على أن تبدو لعبة للتسلية وحسب. وينبغي أيضاً عدم إفهامه بأنّ القصد هو التغلب على طاقته المفرطة، وإفراغها. فهذه مفاهيم لا يعي أبعادها، وقد يغتاظ من عدم القدرة على رسم صورة واضحة عنها في مخيلته. هكذا، يجب أن يبدو الأمر مجرّد لعب وتمضية وقت. وغالباً ما تؤدي تلك الطريقة إلى تفريغ الشحنة العدوانية لدى الطفل. فالهدف ليس العراك في حد ذاته، ولا السعي إلى لجم تلك النزعة العنيفة، إنّما تعويد الطفل على السيطرة عليها، وحمله على الإنضباط الذاتي، وإحترام أصول معيّنة حتى في ممارسة العنف. وبشكل عام، يمكن حضه على ممارسة أي لعب يستلزم صرف قدر كبير من الطاقة، كالتسلق، أو أي فن من الفنون القتالية، أو الركض، أو السباحة. وفي إمكان ذلك النوع من الهوايات، أيضاً، مساعدة الطفل الخجول المتردد على التخلص من الخجل المفرط، والتحلي بقدر أكبر من الجرأة، اللازمة، هي أيضاً، من أجل حياة إجتماعية متوازنة.
المحور الثاني، إذن، يرتكز على تلقين الطفل الإنضباط الذاتي، والسيطرة على عدوانيته وتقنينها، وإحترام أجساد الآخرين، وعدم الإعتداء عليها. فمن خلال تلك الأصول، يتعلم السيطرة على نزواته، لاحقاً عندما يكبر، ويصبح قادراً على كبح جماح "أناه"، ويعي بوجود ضمير "نحن"، ويدرك أن ليس في وسعه اقتناء أي ما يشاء.
- تعويده الإنتظار:
أمّا الألعاب الجماعية، فتعين الطفل على تعود إنتظار دوره. هكذا، مثلاً، يجب أن يتنظر لكي يصعد على لعبة "الزحليقة"، وينتظر لكي يقفز في المسبح من أعلى لوحة الغطس، وينتظر أن ينهي أخوه أو رفيقه أو جاره، أو أي طفل آخر، لكي يصعد على الأرجوحة، ويستمتع بها بدوره. فللطفل رغبات لا تنتهي، لكن يجب الا تشبع كلها، وبشكل تلقائي. في هذا الصدد، أكدت فرانسواز دولتو، خبيرة علم النفس الأطفال الفرنسية الراحة، أن "إشباع رغبات الطفل كلها يعني موت تلك الرغبات". هكذا، يعينه التعود على إنتظار دوره على السيطرة على رغباته، ودمجها في إطار رغبات الآخرين.
يرتكز المحور الثالث، والأخير، إذن، على تعويد الطفل إنتظار دوره. فمن شأن ذلك تلقينه إحترام رغبات الآخرين، وتكييف رغباته وفقاً لها، مع الحرص على عدم التخلي عن حقوقه، إنّما فرضها حين تكون الفرصة مناسبة، وبما لا يتعارض مع حقوق الآخرين. وفي النهاية، ينبغي التذكير بالمحورين الآخرين، اللذين ينبغي عليك التركيز عليهما لتلقين طفلك التعايش مع الأشخاص الآخرين: المحور الأوّل يقوم على أساس تلقينه إحترام أصول اللعبة، والمحور الثاني على أساس تعليمه الإنضباط الذاتي، والسيطرة على نزعته العدوانية.

طرق تربية الأبناء

ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة

الأستاذ الدكتور / نبيل على محمود
دكتوراه فى علم النفس النمائى بجامعة المنصورة
       
ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة* علم النفس وسنوات الطفولة:
1- يقول "فرويد" وقد نختلف معه فى كثير مما يقول: أن أول صدمة يتلقاها الفرد فى حياته هى صدمة الميلاد (Birth Trauma)، إذ يخرج دون رغبته من بيئة ممتازة إلى بيئة سيئة.

فرحم الأم دافىء منتظم الحرارة طوال الوقت ومظلم وبالتالى فهو مريح لعينيه .. كما تحدث للجنين حركة دورانية تريح ظهره وكتفيه لعدم الارتكاز على أى منها لفترة طويلة .. كما يسود الرحم الصمت المريح والغذاء يتدفق للجنين بانتظام وبكميات ملائمة لاحتياجاته الحيوية دون الحاجة للصراخ طالباً إياه.
لكن بخروجه للبيئة الجديدة يشعر بضياع معظم تلك المزايا معظم الوقت، على أننا لا يمكن أن ندُّعى أنه يبكى احتجاجاً على ذلك الخروج الإجبارى. فذلك البكاء ناتج عن حركة انعكاسية غير إرادية لعمليات شهيق وزفير تعترض فيها الأحبال الصوتية مسار الهواء الداخل والخارج فيصدر عنها ذلك الصوت إلى أن يزيح المولود أحباله الصوتية جانباً بميكانيزم داخلى لا نعرفه ونمارسه جميعاً حين لا نرغب فى التكلم أو إصدار أى أصوات.
ويزعم "فرويد" أننا حين يبلغ بنا الإجهاد البدنى والنفسى ذروته فى نهاية كل نهار نلجأ إلى النوم الذى هو محاكاة للمرحلة الجنينية طلباً للراحة، فيلجأ الفرد إلى الفراش ويظلم الحجرة .. ويتدفأ بالأغطية.. ويمتنع عن الكلام .. ويطلب ممن حوله التزام الهدوء والامتناع عن الضجيج، ويتقلب فى الفراش بل وقد يأخذ جسمه الهيئة المطلوبة لجسم الجنين فتكون ركبته قرب بطنه (وضع القرفصاء). ويخرج "فرويد" من هذا بأن المرحلة الجنينية هى أسعد مراحل النمو لكل فرد بدليل أنه حين يبلغ به التعب مداه "ينكص" إلى تلك المرحلة دون سواها من مراحل العمر الأخرى.
ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة2- أجرى فريق بحث بقسم التوليد "بلندن كلينك" مقارنة بين المواليد الذين يتم احتضانهم لعدة دقائق بعد اكتمال إجراءات التوليد مباشرة وبين المواليد الذين تم وضعهم فى الفراش ولم يحظوا بمثل ذلك الاحتضان. فوجدوا أن المجموعة الأولى تميزت طوال فترة طفولة المهد (من سنة ونصف إلى سنتين) بهدوء وانخفاض فى مستوى الارتجاف و القلق والبكاء العصبى .. فى حين لم يصل أفراد المجموعة الثانية إلى ذلك المستوى طوال تلك الفترة الزمنية. لهذا أوصت مجموعة البحث بأن يتم السماح إحدى قريبات المولود بالتواجد بالقرب من عملية التوليد لأخذ الطفل واحتضانه أو تكليف إحدى الممرضات بتلك المهمة.



ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة4- "يولد الطفل صفحة بيضاء" هذه مقولة شائعة لكنها غير صحيحة. فالطفل يولد مزوداً بقدرات فطرية على الإتيان بمنعكسات كثيرة (والمنعكس Reflex هو استجابة غير إرادية يعملها المولود حين تظهر فى البيئة مثيرات تهدد سلامته). فيغمض عينيه إذا ظهر ضوء قوى مفاجىء حفاظاً على شبكية العين من التلف، ويكح إذا دخلت قطرات الحليب إلى قصبته الهوائية .. ويعطس إذا صعدت القطرات إلى أنفه .. ويطبق بقبضة يده على كل ما يلامس راحة يده لينّشط الدورة الدموية فى تلك المناطق المتطرفة من جسمه، ويفعل ما يشبه ذلك فى أخمص قدميه (منعكس بابنسكى). وكل تلك الحركات غير الإرادية يأتى بها فور ولادته دون أن يتعلم من أحد كما يولد مزوداً بالقرة على مص الحليب من الثدى ثم بلعه وهذين فعلين منفصلين تشترك فيهما عضلات كثيرة دون سابق تعلم.
كذلك يحرك عينيه مستكشفاً ما حوله من كيانات متحركة وأخرى ثابتة وحين يكمل من عمره عدة أسابيع يدير رأسه وراء الكيانات المتحركة ليتابع التعرف عليها. كما أنه يبكى إذا تم تركه وحيداً بالفراش ويسكت إذا تمت مداعبته ببعض الأدوات بما يدل على رغبته فى الاستمتاع بمشاهدة الأشياء والاستماع إلى الأصوات الصادرة عنها .. وهو بهذا يولد مزوداً بحب استطلاع قوى يمكنًه من سرعة التعرف على العالم المحيط به تمهيداً للتدخل فيه بإيجابية.
ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة5- دلت الدراسات على أن الحواس الخمس للوليد تكون كاملة النمو وتبدأ فى العمل عقب ولادته بساعات قليلة، على أن حاسة اللمس تكون من بين أكثرها نشاطاً فبمجرد لمس أحد جانبى فمه فإنه يدير رأسه ناحية ذلك الجانب، وهذا الفعل المنعكس التلقائى ضرورى له لكى يُقبل على الثدى ليرضع، ولو كان يتصرف كالكبار حين يبتعدون تلقائياً عن الجهة التى تلمس فيها الأشياء وجوههم لمات الصغير جوعاً إذ سيبتعد عن الثدى كلما حاولت الأم إرضاعه.
6- يتعرف الصغير على أمه بطريقتين:
- الأولى برائحتها المميزة كرائحة العرق أو الحليب المبلل لملابسها أو عطرها أو أنفاسها.
- الثانية فى رفعه من على الفراش ثم ضمه إلى جسدها، فهناك صاحبة اليدين الثابتتين، صاحبة اليدين المرتعشتين .. وصاحبة الأسلوب العنيف .. صاحبة الأسلوب الحنون .. وصاحبة الأسلوب المتسرع .. وهكذا.
ومن مجمل ناتج خبراته معها فى مختلف المواقف يحب الصغير أمه أو ينفر منها، فمواقف الرضاعة والتنظيف وتغيير الحفاضات، المناغاة أو الكلام معه أو الصراخ فيه .. وتدريبه على ضبط التبول والتبرز فيما بعد يخرج منها بخبرات طيبة أو سيئة عن أمه، ومنها تتكون عاطفة نحوها إما حباً أو كرهاً أو رعباً من تواجدها بالقرب منه. لذا فإن الصغير لا يحب أمه تلقائياً لمجرد أنها هى التى حملت فيه وولدته ولكن لخبراته الطيبة معها، ودليل ذلك أن بعض الصغار يحبون جّداتهم أو خالاتهم أكثر مما يحبون أمهاتهم. فتكون الأم "البيولوجية" أقل قيمة فى نظره من الأم "البديلة" لأن الأخيرة تقدم له من المواقف السعيدة والمفيدة أكثر مما تفعل الأولى. وعلى هذا يؤكد بعض الدارسين أن الحرمان من الأم يضر بالحالة النفسية للطفل ليس لغياب الأم فى ذاته بل لغياب ما كانت تقدمه له من سعادة وفائدة. فإن أمكن توفير أم بديلة له (مثل الأسر الكفيلة وقرى رعاية الأطفال) فسوف يتضاءل بسرعة شعوره المؤلم بالحرمان من الأم "البيولوجية".

ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة7- يُصدر المولود أصواتاً تلقائية غير مقصودة "إذن فهى ليست لغة" تدل على ما يجرى داخله من إحساسات بيولوجية، ويشبهها البعض بالصوت الصادر من الماء حين يغلى داخل براد الشاى .. وعن حركة غطاء البراد صعوداً ونزولاً بسبب ضغط البخار، فهذه أصوات غير مقصودة وإنما تُعبر عما يجرى داخل البراد حين يصل الحال بالماء إلى درجة الغليان.
وفيما بعد يصدر الطفل أصواتاً على وتيرة واحدة (Monotonous) لذا تسمى "هديلاً" تشبهاً بأصوات الحمام، ثم تصدر أصواتاً منغّمة تسمى "مناغاة" تؤدى إلى تدربه على التحكم فى أعضاء الكلام تمهيداً للتحدث بلغة مفهومة فيما بعد. وفى نهاية السنة الأولى من عمره يتمكن من النطق بثلاث كلمات فى المتوسط، تزيد إلى حوالى 270 كلمة فى نهاية السنة الثانية من عمره، ويبدأ فى تكوين"الجملة الكلمة" أى يلخص معنى كاملاً فى كلمة واحدة مصحوبة بتعبيرات حركية بالوجه أو بالأطراف فتقوم تلك الكلمة بمهمة جملة تامة المعنى. وبعد ذلك يكون جملاً قصيرة جداً من كلمتين تضم فى الغالب اسماً أو فعلاً دون حروف جر أو ظرف مكان أو زمان.
وننصح الأمهات بمناغاة المولود خاصة فى اللحظات السعيدة له (الإرضاع - التنظيف- التدليل) لكى يأخذ مسألة التواصل بالأصوات على محمل الجدية وهذه بدايات التواصل اللغوى كبديل للتواصل بالصراخ وبالحركات والإشارات. كما ننصحها بأن تنطق الكلمات نطقاً صحيحاً دون تحريف طفولى لها، وإن شاءت التبسيط فعليها باللجوء للكلمات البسيطة الصحيحة فى ذات الوقت (تماماً كما يفعل بعض كتاب المسرحيات باختيار كلمات من العامية تنتمى فى ذات الوقت للفصحى).
وتنمو اللغة لدى الطفل بمحاكاته لأصوات ولكلمات يسمعها، وبحصوله على تشجيع خارجى من الكبار عندما يتقن المحاكاة، بالإضافة إلى سعادة شخصية نابعة من شعوره بأنه قد نجح فى إصدار صوت مشابه للصوت الأصلى. ويرى بعض العلماء أن النمو اللغوى يحتاج إلى نمو عقلى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن المولود ينمو بمعدل سريع بين نهاية السنة الأولى واكتمال السنة الثانية بعد أن يكون عقله قد أحرز قدراً ملائماً من النضج، فى حين انقضت السنة الأولى من عمره دون أن يحرز أكثر من ثلاث كلمات "وشاهدهم الثانى أن لغة العقلاء أفضل من لغة الأقل تعقلاً"
ويرى علماء آخرون أن النمو العقلى يعتمد على نمو لغوى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن عقلية التلاميذ تتطور إلى الأفضل كلما قرءوا ودرسوا ما بالكتب المدرسية واستمعوا إلى الشرح اللغوى للمدرسين .. وتحاوروا مع آبائهم وأصدقائهم، ووسعوا دائرة إطلاعهم على الصحف والمجلات والمراجع الثقافية واستمعوا للراديو والتلفزيون وكلها أنشطة تتصل مباشرة بالممارسات اللغوية.
وقد اقتنع دارسو علم النفس اللغوى (Psycholinguistics) بأن كلاّ من النمو العقلى واللغوى يحتاج إلى ركيزة من الآخر يعتمد عليها فى تحقيق تطوره إلى الأفضل، وإن كان يتضح فى بعض فترات عمر الصغير اعتماد أحد الجانبين على الآخر .. ثم يتم تبادل الأوضاع بينهما فى فترة أخرى من عمره.
* السمات الذاتية:

8 السمات الذاتية- يتميز الجنس البشرى بالنمو المتميز فى القدرات العقلية لأفراده حت تصل إلى مستويات رفيعة.(ومن هنا جاءت تسمية السلالة البشرية الحالية "بالإنسان العاقل - Homo sapiens").
 
وقد درس "جان بياجيه" عالم البيولوجى ومساعديه تطورات القدرات العقلية لدى عينة كبيرة من الأفراد، وتوصل إلى تدرج تلك التغيرات عبر ثلاث مراحل كبرى هى:
أ- مرحلة ما قبل العمليات العقلية الحقيقية (تحت مرحلة التفكير الحسى - حركى، يعقبها تحت مرحلة التفكير الحدسى) وتستمر من الميلاد حتى بداية السنة السابعة من عمره. ويعتمد فيها ذكاء الطفل على ما يخرج به من خبرات تجلبها له حواسه من مشاهدة الأشياء وفحصها ومتابعة مظاهر حركتها، ومما يخرج به بالحدس (الظن، التخمين) من متابعة للأحداث التى تجرى حوله. لذا فننصح الآباء بتوفير أكبر قدر من الخبرات الحسية والحركية له من خلال ألعاب متنوعة فى ألوانها، ملامسها، روائحها، الأصوات الصادرة عنها أو عن ارتطامها ببعضها وبالأرض، أنماط حركاتها، وتيسير ممارسة الحركات الرياضية الخفيفة له ليدرك قواعد التوازن البدنى خلال السكون والحركات المختلفة.
ب- مرحلة العمليات العقلية الحقيقية المعتمدة على المحسوسات، وتستمر معه من سن سبع سنوات حتى سن البلوغ الجنسى. وفيها يجرى عمليات عقلية ذات خصائص جيدة لكنه بحاجة إلى مساندة حسية تعينه على حسن الفهم، ومن هنا ننصح الآباء والمدرسين بضرورة الاستعانة المُعينات التعليمية التى تتضمن المثيرات التى تخاطب الحواس، وقد رتبها أحد علماء التربية "إدجار ديل" منذ سنوات عديدة ترتيباً تنازلياً تبعاً للجودة مبتدئاً بأهم تلك المُعينات ألا وهو الشرح على الشىء ذاته (سمكة، نبات معين، سيارة، أشكال هندسية مجسمة ... الخ)، فإن لم تتوفر فليكن على نموذج شغال لها، فإن لم يتيسر فليكن على رسوم ملونة بألوانها الطبيعية، فإن لم يوجد فليكن على رسم تخطيطى، فإن لم يمكن عمله فليكن بالشرح اللفظى فقط شفاهة أو كتابة وهذا أضعف المُعينات التعليمية وأسوءها.
كذلك ننصح الآباء بعدم اعتبار ارتفاع سعر أدوات اللعب معياراً لجودتها، وإنما جعل مدى ما تتيحه اللعبة للصغير من فرص واسعة للتفكير والعمل معياراً للجودة الحقيقية. فالقطار الذى يسير بالبطاريات على شريط تؤدى نهايته إلى بدايته أقل قيمة عن علبة تضم مجموعة من التروس والقضبان والصفائح المعدنية مع تصميمات هندسية مقترحة يحاول الصغير تنفيذها بتجميع تلك القطع المفككة مع تشجيعه على ابتكار المزيد من التصميمات لإثراء النشاط العقلى لديه (تركيز الانتباه، دقة اتباع التعليمات، التخيل، الابتكار ... الخ).
ج- مرحلة العمليات العقلية التجريدية، وتبدأ مع الصغير عندما يصل لسن المراهقة. وفيها يتمكن من استيعاب الموضوعات المجردة (Abstracts) من خلال الفهم وليس الحفظ الأصم رغم أن تلك الموضوعات ذات طابع نظرى وليس لها أساس حسّى مباشر، ومثالها مصطلحات: التقوى، الفضيلة، الورع، الشرف، الكرامة، العزة، الوطنية، الليبرالية، الرأسمالية، الجذر التربيعى للمقدار س، الجرام جزىء إحدى المواد، التذوق الفنى، البرمجيات ... الخ.
وفى هذه المرحلة العقلية الراقية والأعلى فى سلم التطور العقلى يمكن للفرد أن يتنبأ من أحداث الماضى والحاضر بأحداث المستقبل، فيضع أكثر من "سيناريو" لما يتوقع حدوثه فيما هو آتِ من الأيام. كذلك يستطيع أن يضع خطة أو أكثر لحل المسائل الدراسية والمشاكل الشخصية والمهنية. وفى هذه الخطط يمكنه أن يراعى الكثير من العوامل الموجودة والمحتمل تواجدها، فينطبق عليه قول الحكيم: "يحسب لرجله قبل الخطْوِ موضعها" تماماً كما تفعل الدول قبل إصدار أى بيان صحفى أو الإتيان بأى عمل عسكرى.
وقد أفاد بعض علماء النفس أن ذكاء الفرد لا يستقر عند سن الثامنة عشر كما هو معروف، وإنما يستمر هذا الذكاء- الذى أطلقوا عليه اسم "الذكاء السائل- Fluid Intelligence"- فى التحسن منتجاً نوعاً آخر من الذكاء أطلقوا عليه "الذكاء المتبلور- Crystallized Intelligence" والذى يفترضون بأنه يتضمن "حكمة العمر وخبرة الأيام".

9ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة- "ورث فلان حب الشعر من والده الأديب المشهور فلان" و"ورث فلان حسن الخلق من جده الشيخ فلان" و"ورثت فلانة حب الفن من والدتها الفنانة المشهورة فلانة" ... الخ.
كل هذه المقولات خاطئة تماماً، فلا حب الشعر، ولا حسن الخلق، ولا الفن يُوّرث من الآباء أو الأمهات أو الأجداد للأبناء والأحفاد. والأصوب هو القول "اكتسب فلان أو فلانة حب الشعر أو حسن الخلق أو الفن من معايشتهم لوالديهم أو جدهم فحببوهم فيما اشتهروا به ويسّروا لهم طرق استيعاب وإتقان المهارات اللازمة للنجاح فى تلك المجالات نتيجة لتوجيهاتهم المستمرة لهم، ولتشجيعهم على الإطلاع على الكتب والمجلات المتخصصة التى يقتنيها هؤلاء الآباء والأجداد فى بيوتهم وأحاديثهم مع زوارهم الذين من صنفهم حول تلك الأمور، فكانت النتيجة الطبيعية أن يتفوق هؤلاء البناء والأحفاد فى تلك المهارات مقارنة بنظرائهم فى السن الذين لم تتح لهم فرصة مماثلة. إذن فالمهارات والأخلاق والتذوق الفنى وكافة السلوكيات لا توّرث وإنما يتم تعلّمها واستيعابها والتدرب على إتقانها.
10- يرث الإنسان من أبائه وأجداده (لاحظ صيغة الجمع هنا وليس المفرد أو المثنى) الصفات المتعلقة بخصائصه الجسمية: كطول القامة أو قصرها، وكلون البشرة والعينين، ملامح الوجه، درجة المناعة الصحية ضد الأمراض. كذلك اتضح مؤخراً أن الفرد يرث من آبائه وأجداده "مستوى الاستثارة - Irritability" أى إلى أى مدى يتحمل المثيرات المنغصة .. كما يرث "المزاج - Temperament" عصابياً كان أو متنزناً، كما يرث مستوى الميل للاندفاع أو للترّوى. فقد اتضح أن صفة "الاندفاعية - Impulsiveness" هى من الموروثات، بل اتضح أن قابلية الشخص للتدخين والاستمتاع بوجود مكونات تدخين السجائر فى جسمه هى صفة موروثة أيضاً. ويتوالى اكتشاف العلماء الذين يشتغلون فى مجال الكشف عن التركيبات الوراثية للإنسان (بحوث الجينوم البشرى) أن المزيد من دوافع السلوك عند الإنسان هى ذات أصل وراثى.
11- كل ما سبق قوله عن وراثة الصفات الجسمية وغيرها لا ينتقل إلى الأبناء من الوالدين وحدهما، وإنما يشترك الأجداد الحاليين والسابقين فى تناقل تلك الصفات جيلاً بعد جيل. صحيح أن بعض الصفات لا تكون ظاهرة (فتصنّف على أنها من "النمط الجينى - Genotype" لكنها لا تضمّحل ولا تزول، فالعوامل الوراثية أيضاً لا تفنى ولا تستحدث" بدليل أنها ستظهر مرة أخرى يوماً ما تحت ظروف معينة على أحد الأحفاد وحينها سوف تصنّف على أنها من "النمط الظاهرى - Phenotype".
12- تلك الصفات الوراثية الجسدية والانفعالية تنتقل عبر الأجيال على أجسام عضوية ضئيلة الحجم جداً اسمها الموّرثات (الجينات - Genes) محمولة بدورها فى مجموعات كبيرة العدد جداً على أجسام عضوية أكبر حجماً وإن كانت فى حاجة إلى الاصطباغ بصبغات معينة ليمكن رؤيتها تحت ميكروسكوب شديد التكبير واسمها (الصبغيات - Chromosomes)، وهذه الصبغيات بما تحمله من موّرثات كائنة بأعداد زوجية محددة القيمة داخل كل نواة من أنوية كل خلية فى جسد الفرد. لذا كان من الخطأ مرة أخرى القول بأن فلانة ورثت فى "دمها" حب الفن، فلا الفن يورّث كما لا يكون التوريث أصلاً فى الدم، وإنما يكون التوريث فى كل خلايا الجسم طالما وُجدت الصبغيات بها.
13- وقد تمكن العاملون فى بحوث "الجينوم البشرى" من معرفة الكثير من الموّرثات (الجينات) الموجودة على صبغيات أنوية خلايا الأجسام البشرية. وبالتالى معرفة ما هى الخصائص (ومن بينها القابلية للأمراض المختلفة) التى سيرثها أبناء وأحفاد كل من يتقدم للفحص الجينومى. ويحاولون دراسة كيفية انتزاع الموّرثات (الجينات) التى تحمل صفات سيئة من نواة الحيوان المنوى للزوج ومن نواة بويضة الزوجة قبل عمل التزاوج بينهما فى أنابيب المعامل بأسلوب "أطفال الأنابيب". ويفكر العلماء فى كيفية إضافة موّرثات تحمل صفات جيدة إلى ذلك الحيوان المنوى والبويضة لكى يكتسبها طفلهم. ومن بين الأفكار الغريبة التى تراود البعض منهم إكساب بعض المواليد صفة القدرة على القيام بعملية التمثيل الضوئى بمجرد شرب بعض المحاليل المخففة والتعرض بدون ملابس لأشعة الشمس لعدة ساعات ومن ثَّم عدم الحاجة لشراء الطعام!. وبالطبع لن يتأتى هذا إلاّ إذا تم نقل موّرثات للحيوان المنوى والبويضة للوالدين توّرث القدرة على تكوين الكلوروفيل بخلايا الجلد أو ما تحت الجلد مباشرة من طبقات سطحية كبديل للصبغيات القمحية أو سمراء اللون المألوفة لدى البشر. وإن كان الباحثون فى مجال الهندسة الوراثية النباتية قد نجحوا بالفعل من سنوات عديدة فى تجميع صفات جمالية أو غذائية أو تجارية بخلايا التكاثر بالكثير من نباتات المحاصيل ونباتات البساتين ثم زرعوها على نطاق واسع وصارت ضمن السلع التى تدر عائداً وفيراً - وإن كانت تلقى رفضاً شديداً من كثير من الناس - إلاّ أن الباحثين فى مجال الهندسة الوراثية البشرية لم يحققوا - ولو فى العلن - نفس هذا النجاح. فالقيود القانونية والأخلاقية والإنسانية والدينية تمنع الكثيرين من التوسع فى هذا الميدان. ولا يمارس شطحات الخيال فى هذا المجال إلاّ مؤلفو الكتب والروايات العلمية الخرافية (Science fiction)، ثم تتحول إلى أفلام لها صفة الإبهار وإن لم يكن لها صفة الالتزام التام بكل الأسس العلمية المعروفة حتى الآن.
14- تلعب الظروف المحيطة بالفرد دوراً مكملاً ومنشّطاً أو مثبّطاً لما ورثه عن آبائه وأجداده من صفات، فالذى ورث عنهم صحة البدن لن يستمتع بهذه الصفة طويلاً إن حاصرته الميكروبات والملوثات البيئية المحيطة به، وإن كان ستتأخر إصابته بالمرض وستقل فترة رقاده به مقارنة بنظرائه الذين لم يرثوا تلك القدرة من صحة البدن. كذلك فالذى ورث ذكاءاً مرتفعاً يمكنه أن يصل لأعلى الدرجات المنزلية والعلمية طالما كانت البيئة المنزلية والمدرسية والاجتماعية توفر له المناخ الهادىء المشجع والإمكانات اللازمة للدراسة. أما لو كانت على عكس ذلك فلن ينعم بالكثير من مزايا ذلك الذكاء الموروث، وقد يترك التعليم فى أى مرحلة من مراحله، أو يسوء توافقه مع الأهل والمدرسين فتحيطه المشاكل من كل ناحية فينشغل عن دراسته ويفشل فيها. لكل هذا ولمثله فقد توصل العلماء إلى أن كلاّ من الوراثة والبيئات المحيطة بالفرد - لاحظ صيغة الجمع حيث تحيط بكل فرد بيئة بشرية وبيئة نفسية وبيئة طبيعية مناخية وجغرافية وبيئة مادية ... الخ - كلها تتفاعل مع بعضها البعض نتيجة مؤثرات تفعل فعلها فى تشكيل خصائص شخصية الفرد: أى جسمه وعقله ووجدانه وأخلاقه. ويكون تأثير الوراثة أشد على خصائصه الجسمية ويتدرج متناقصاً نحو أخلاقه تبعاً للترتيب المذكور أعلاه، فى حين يتدرج تأثير البيئات فى شدته عكسياً مع تأثير الوراثة تبعاً لذات الترتيب. وكلما تقدم السن بالفرد ووقع تحت تأثير بيئات جديدة نشأ تفاعل جديد بين ناتج التفاعل السابق وبين تأثير البيئات الجديدة، فيعاد تشكيل شخصيته من جديد. وهذا يجعل من شخصية كل فرد خاصة الاجتماعيين والرحالة والذين يطلعون على الجديد - كياناً ديناميكياً متغيراً وليس كياناً استاتيكياً جامداً.
* نصائح للأمهات:
15- نصائح هامة:

1نصائح للأمهات- كونى متقبلّة لطفلك أياً كانت حالته الجسمية أو العقلية أو الوجدانية أو الأخلاقية، فالتقّبل (وعكسه النفور
المؤدى إلى الإهمال والنبذ) هو نقطة البداية الأساسية للنجاح فى تربيته ..
فالمولود هبة من الله وليس سلعة قابلة للرفض أو للإعادة. وإن كان بالمولود خلل ما، فيكون التصرف الثانى هو السعى الحثيث لإصلاح ذلك الخلل.
2- تعاملى معه دائماً بمبدأ الثواب والعقاب: لكى يعرف ماذا تريدين منه أن يكون وماذا ترفضين. ولا تركّزى على العقاب كلما أخطأ، ولا على الإثابة كلما أجاد فكلاهما ضرورى لتوجيه سلوكه ومشاعره الوجهة السليمة.
3- لا يجب أن يكون العقاب بالإهانات اللفظية ولا بالإيذاء البدنى، وإنما يكون بالحرمان من المزايا، على أن يكون العقاب على قدر الخطأ (تماماً كما يفعل القاضى بالمحكمة)، كما يجب أن تُشعرى صغيرك بأنك سوف تنهى العقاب وتعودى إلى حبه فور إقراره بخطئه وعدم تكراره له.
4- لا يجب ترك الصغير لفترة طويلة (بالسفر للخارج أو بالانفصال عن الأب) خاصة فى المرحلة بين ثلاث وسبع سنوات. فالحرمان من الأم يكون أقل أثراً قبل ذلك إذ لا يكون قد وثّق علاقته بشدة مع الأم فسرعان ما يبرأ من آثار الحرمان إن حلّت محلها أم بديلة ممتازة. والحرمان بعد السبعة يكون أيضاً أقل أثراً إذ يكون قد تدرّب على خدمة نفسه وحمايتها من الأخطار ولدرجة مقبولة وقل اعتماده على الأم لذلك السبب.
5- ليس بالضرورة أن تكون الطريقة التى عاملتك بها أمّك فى صغرك هى الطريقة المُثلى التى تُلزمين نفسك بها فى تربية صغارك، ولا تقعى فيما يقع فيه بعض الآباء حين يقولون بفخر: "لقد ربّانا أباؤنا على الطاعة التامة وكثيراً ما كانوا يضربوننا بالعصا، ولهذا صرنا ناجحين فى حياتنا الحاضرة". هذا الفخر فى غير موضعه، لأنه يستند على منطق مغلوط، فليس بالضرورة أن تكون تلك القسوة هى المقدمات (الأسباب) التى أدت إلى تلك النتيجة الممتازة، فربما كان اجتهادهم وتوفر الإمكانات حولهم وحسن التزام المدرسين فى تعليمهم هى المقدمات التى أوصلتهم لتلك النتيجة. وكان الأجدر بهم أن يقولوا: "بالرغم من القسوة التى عاملنا بها أباؤنا إلاّ أننا صرنا ناجحين فى حياتنا الحاضرة"، مثلما عليهم أن يقولوا: "بالرغم من إصابتنا بالحصبة فى صغرنا إلاّ أننا صرنا ناجحين فى حياتنا الحاضرة".
6- لتقليل بكاء طفلك وصخبه عليك أن تهتمى بإشباع حاجاته عندما يحين وقت لإشباعها دون الانتظار لإلحاحه عليك بطلبها. والحاجات غير الرغبات والنزوات، فهذه لا ننصح بتلبيتها بالضرورة، أما الحاجات فهى ما يجب توفيره له لضمان سلامته البدنية والنفسية. وقد تم تصنيف الحاجات إلى بيولوجية (كالهواء والماء والغذاء والراحة البدنية ..) ونفسية (كالشعور بالأمان، وبأنه محبوب، وباستطاعته أن يجد من هو جدير بحبه وثقته، والشعور بأنه موضع تقدير، وله حق الانتماء، والحصول على ما يريد من المعلومات، وبأنه فى إمكانه الاستمتاع بما هو لذيذ أو جميل من الطعام واللعب، وبالتالى فى استطاعته أن يحقق ذاته).
أما الرغبات فهى طلبات عابرة يمكنك تحقيقها له إن كانت معقولة، فى حين تكون النزوات طلبات سخيفة يجب رفضها بحزم دون تردد.
7- حّملى صغيرك مسئوليات بسيطة بعد إقناعه بأهمية آدائه لها، مع إظهار الفائدة التى تعود من ذلك عليه وعليكِ، ثم اشكريه وامتدحيه أمام الغير على قيامه بها. ولا تقعى فى خطأ تقع فيه الكثيرات بتكليف الصغيرة برعاية الأصغر منها نيابة عنكِ لفترات طويلة أو فى أوقات لا تناسبها، فلا تنسى أن من حق الصغيرة أن تستمتع هى الأخرى بطفولتها. كذلك من الخطأ أن تقولى لصغيرك: "أنت الآن رجل البيت حتى يعود والدك من السفر"، ففى هذا تحميله بهموم نفسية هو فى غنى عنها فى تلك السن.
8- استمعى لما يقوله طفلك لنفسه خلال تعامله مع ألعابه، فكثيراً ما تكشف العبارات التى يقولها للشريك الوهمى خلال هذا اللعب عن مكنونات نفسه من رغبات ومخاوف وعواطف، فالذى يقوله للدمية: "سأعطيك موز حتى تشبعى" إنما يكافئها بما يتمنى أن يناله هو. ومن يقول للدمية: "إن لم تسمعى كلامى سأذهب بك للمستشفى لكى تموتى هناك" إنما يبدى فزعه من فكرة الموت وبأن دخول الإنسان للمستشفى معناها موته حتماً.
ومن يسّب الدمية ويلقيها بعيداً ونسأله عنها فيقول: "هى عمتى فلانة"، فى حين يلاطف دمية أخرى ويحتضنها ويقول: "إنها خالتى فلانة" فإنه بذلك يكشف لنا عن عواطفه تجاه أقاربه. وعليك أن تصححى له فكرته عن الأماكن وعن الأشخاص، بل وتصححى له ألفاظه وصياغته اللغوية. كما يمكنك انتهاز فرصة هذا اللعب الإيهامي لتحسين قدراته الحسابية من خلال لعبة البائع والمشترى حيث يوجد سعر للشراء وسعر للبيع ومقدار للربح والخسارة.
9- يظهر لدى بعض الأطفال اتجاهاً قوياً نحو توثيق علاقاتهم بالأفراد (Person-oriented)، فى حين يظهر لدى غيرهم اتجاهاً نحو الأشياء (Object-oriented)، فإن كان طفلك من النمط الأول فيمكنك تقويم سلوكه بالتهديد بحرمانه من الاتصال بالأفراد الذين يحبهم (وأنتِ منهم) إن ساء تصرفه، ومكافأته بتيسير لقائه بهم إن أحسن التصرف. أما طفل النمط الثانى فالعقاب والمكافأة يمكن ربطهما بتيسير حصوله على أدوات اللعب وقضاء وقت طويل معها.
10- يتأثر الطفل تأّثراً شديداً بما يقوله عنه الأفراد الذين يحبهم ويثق بهم: كالأم، والأب وكالعم أو الخال المفضل لديه، وكالمدرس الذى يرتاح إليه. لذلك فيجب أن يحذر هؤلاء من السخرية من شكله أو من قدراته أو من إنجازاته أو من طموحاته.
11- إذا فشل صغيرك فى أحد امتحاناته قلا تشجّعيه من خلال التشكيك فى صلاحية الأسئلة أو فى ذمة المدرسين بهدف رفع معنوياته، لأنه سيكتسب عادة إلقاء مسئولية فشله على غيره، وقد يكتشف أنك كنت تجاملينه فتفقدين مصداقيتك عنده. والأفضل أن تجعليه يواجه الموقف بشجاعة، وتؤكدى له أنك ستدعمى موقفه قى بذل المزيد من الجهد لتحقيق فهم أفضل للدروس وأن النجاح ممكن ومضمون مع الاجتهاد.
12- من الخطأ الضغط على الصغير ليكون الأول على فصله، فهذا يسبب له توتراً شديداً وخوفاً من الفشل والازدراء من والديه وبالتالى فقدان محبتهم ودعمهم له. ويمكن للأب أن ينّمى طموحاته بأن يطلب منه أن يبذل كامل جهده لكى يكون ضمن الخمس الأوائل بفصله، على أن يلقى المساعدة التعليمية والدعم النفسى الهادىء من الوالدين .